بحث هذه المدونة الإلكترونية

مرات مشاهدة الصفحة في الشهر الماضي

الأربعاء، 1 سبتمبر 2010

للاهازيج قصصها-بقلم حامد كعيد الجبوري






للأهازيج قصصها
حامد كعيد الجبوري
عروضيا تعد (الهوسة) من بحر الخبب – حركة الخيل - هكذا صنفها الخليل بن احمد الفراهيدي ، وتعتمد بتفعيلتها على (فعلن) مكررة ، وتسمى لدى الشعراء الشعبيون ب ( الهوسة) ، ومنهم من يسميها (أعكيلية) نسبة لعشائر (العكيلات) ، ومنهم من أسماها ال(طربكة) نسبة لحركة قوائم الخيول (طربك ، طربك) و(طربك) عروضيا تقابل ( فعلن ، فعلن) ،ومنهم من أسماها (الأهزوجة) وهناك خطأ شائع يقع به الشعراء حيث يسمون (الهوسة) ب ( العراضة) ، و (العراضة) قد يكون من معطياتها (الهوسة ) ، و (العراضة) يعرفها أهل الوسط والجنوب العراقي وبخاصة أهالي الفرات الأوسط ، وللعراضة مراسيم
خاصة لسنا بصددها ، كعراضة المتوفى وعراضة الزواج وعراضة (تشييخ) أحدهم لعشيرته ، وقد لعبت – العراضة – فعلها الواضح على رجالات العشائر أبان ثورة العشرين التي مرت ذكراها خجولة يوم 30 حزيران ، أذ سلطت الأضواء على الاتفاقية الأمنية التي وقعها الساسة فقط ، دون عرضها للاستفتاء الجماهيري ، بمعنى أنها مررت علينا وأصبحت واقع حال مفروض وهذا ما أثارني لكتابة هذه الموضوعة .
تكتب ( الهوسات ) بكافة أوزان الشعر الشعبي كالموشح والتجليبة والنصاري وهذه هي الأوزان الشائعة غالبا ، ومنهم من يكتبها بأوزان أخرى ، مع ملاحظة أن الأبيات التي يكتبها الشاعر -المهوال – غالبا لا تزيد على ثلاثة أبيات يختمها بال (هوسة) والتي يجب أن تكون على تفعيلة الخبب ( فعلن) لكي يؤدي المجتمعون مع ( المهوال) الحركات التي تتوائم مع أهزوجته ، وتتخلل الإهزوجة حركات راقصة من مؤديها جميعا ، وغالبا ما يحمل الشاعر بيده بندقيته ويرقصها ويطلق الآخرون عيارات نارية من بنادقهم .
1 : ( بالرارنجية أنت ويانه)
الشيخ مرزوك العواد (أبو جفات) شيخ عشيرة (العوابد) والتي يمتد سكن رجالاتها بحوض الفرات الأوسط ، ومضيف الشيخ مرزوك بناحية الشامية حيث مسكنه وعشيرته الأم ، ويعد الشيخ مرزوك من رجالات ثورة العشرين وقوادها ، ومن المعلوم أن ثورة العشرين أجبرت حكومة بريطانيا العظمى بالنظر بجدية لمطالب الثوار بتشكيل حكومة وطنية ، وكانت رغبة بريطانيا جلب ملك لكرسي العراق من غير الثوار المنتفضون عقوبة لهم ، وكان لهم ما أرادوا بدسائس أثبتها المختصون ، وحينما أصدرت بريطانيا العظمى أوامرها باستقدام الملك فيصل الأول من سوريا لمملكة العراق الجديدة ، كان
الشيخ مرزوك العواد من ضمن الوفد الذي ذهب لجلب جلالة الملك ، خلال المسيرة الطويلة من سوريا الى العراق أرتبط ملك العراق الجديد فيصل بعلاقة صداقة حميمة مع الشيخ مرزوك ، وعرف الملك أن الشيخ مرزوك يقول الشعر الشعبي رغم عدم معرفة الملك باللهجة العراقية الجنوبية المحكية ، ودع الشيخ مرزوك مليكه الجديد بعد أن وصل لبغداد وقفل راجعا للشامية ، بعد حين أراد الملك فيصل زيارة الألوية العراقية - هكذا تسمى سابقا – وحين وصوله للشامية كان الشيخ مرزوك باستقباله بمضيف عشيرته ، وكان برفقة ملك العراق كل من رشيد عالي الكيلاني ووزير الداخلية ناجي
السويدي ، طلب الملك فيصل من الشيخ عواد أن ( يهوّس) لمقدم صديقه ، أجابه الشيخ مرزوك لست ( مهوالا) جلالة الملك ، وهنا أمر رشيد عالي الكيلاني الشيخ مرزوك قائلا له ، (مرزوك هوّس لجلالة الملك) ، لا حظ الشيخ مرزوك هذا الإسلوب الفض من رشيد عالي الكيلاني حيث لم ينعته بالشيخ ، وحتى لم يكنيه بأبي جفات فكبر ذلك عليه وقال له ، نعم (هسه حلَت وحلت الهوسه) وأنشأ قائلاً وهو يعلم جيدا أن رشيد عالي الكيلاني لم يكن له أسم يذكر بثورة العشرين وإنما جاءته هكذا بالصدفة والعلاقة – كأيامنا هذه (إ يجد أبو كلاش وياكل أبو جزمه) - ، وكما أطلقوها سابقا ( خياركم
بالجاهلية خياركم بالإسلام) ، ويعرف الشيخ مرزوك أن أسم أم رشيد عالي الكيلاني ( عليه) فأنشأ قائلاً
ذبحنه الصوجر وجبنه الملوكيه
دلالة على جلب الملك فيصل من سوريا
وأبن (عليه) وزير ويامر أعليه
وأدار وجهه صوب وزير الداخلية ناجي السويدي مكملا أهزوجته قائلاً
إ بحضك هم شفت هاي الأفندية
( بالرارنجية أنت أويانه )
والرارنجية قريبة من مدينة الحلة باتجاه الجنوب – النجف - حدثت بها معركة ضارية مع الإنكليز.
يتبع الجزء الثاني رجاءا
2 : ( خايف منك خاف أ تجيت أعليه) (2-2)
مرض الشيخ ( حاتم الحسن ) شيخ عموم الحسناوين في الفرات الأوسط ، وهو من سكنة ( الصليجية) ناحية العباسية العائدة لقضاء الكوفة محافظة النجف الأشرف ، وكان مرضه الذي مات به منتصف السبعينات من القرن المنصرم ، وحاتم الحسن وجه عشائري له ثقله بين عشائر العراق ، ولوالده موقف سجل عليه لا له فترة ثورة العشرين الخالدة يذكره المهتمون بها ، ومن المعلوم أن كل شيوخ العشائر لهم (مهاويلهم) الخاصون بهم ، والشاعر (المهوال) لسان عشيرته بأفراحها وأحزانها وحروبها وغاراتها على العشائر الأخرى ، ويفضل (مهوال) العشيرة على (المهوال) الذي ينتمي لعشيرة أخرى ،
وكان لحاتم الحسن شاعرا (مهوالاً) صديقا له أسمه (فنجان الحسناوي) ويكنى بأبي زيدان ، والشيخ حاتم الحسن مسجى بإحدى مستشفيات العاصمة بغداد منتصف السبعينات تحدث من على سرير موته مع (مهواله) فنجان قائلاً له ، فنجان ، أجابه ( لبيك إمحفوظ آمر) ، قال الشيخ لفنجان لطالما امتدحتني بحياتي في مواقف شتى فما عساك تقول راثيا لي بعد موتي ، أجاب فنجان شيخه ( عمرك إطويل إمحفوظ إنشاء الله من عمرنه على عمرك) ، قال الشيخ ( لا فنجان هاي مرضة موت ماظن أكوم منها ، أبروح أبوك شو درثيني) ، أطرق فنجان قليلا ونهض من مكانه قائلا
وراك العمر ما ريده ولا هوّس بعد بحزام
وعليك إنسد مضايفنه يملفه الزلم من تنظام
ي(نيص) الأسد من تجبل أعله ظهره من يريد أينام
خايف منك خاف إ تجيت أعليه
الشطران الأولان معلومان للقارئ الكريم ولكن الشطر الثالث يحتاج للتوضيح كما أرى ، فال(نيص) حيوان بري يقارب الأرنب بحجمه ولكنه بوثبة واحدة ينقض على الأسد ويقضم رقبته من قفاه فيدرك الأسد النزف من الدماء حتى الموت ، فلذا عندما يرى الأسد (نيصا) ينام على ظهره ويرفع أرجله ويداه لكي يتقي قفزة ال (نيص) ، إلا أن ال(نيص) لا يهجم على فريسته وهو نائم على ظهره لأن بذلك حتفه بل ينتظر جزع الأسد من استلقائه ليهجم عليه ويفترسه ماصا دمه .
وقال الشيخ لمهواله ( وبعد فنجان شتكول) ،أطرق (المهوال) وأردف قائلا
يا ميزان الأول حيث الأول عال – من العلو
ويا حلو المحاجي ويا كلب رجال
ترهه أعله السطور ومثل حرف الدال
(خليه يالدنيه أتنومس بيه)
ولا أعرف بماذا يتمييز حرف الدال على بقية الحروف ولم أجد من يفسر لي ذلك ، وقد يكون الشاعر يقصد أن حرف الدال يشبه رأس السهم .
3 : (الشر يتلبد وأحنه أندور أعليه)
يمر القطار النازل والصاعد من وألى البصرة الفيحاء عشائر بل قل قبيلة الظوالم وهي كثيرة البطون ، والتي تمتد من الديوانية وصولا لذي قار ، وكان الوطنيون من الثوار المعارضون لوجود المحتل ببلادهم يعترضون قطار المؤن والمعدات العسكرية الإنكليزية برميه بما تيسر لهم من أسلحة آنذاك ، أستاء القائد الإنكليزي من فعلتهم هذه وأرسل لقسم من الشيوخ المؤازرين للمحتل وما أكثرهم – ما أشبه اليوم بالبارحة - ، جمع القائد الإنكليزي مثل هؤلاء الشيوخ بمكتبه وحدثهم بمكره وأهداهم العطايا فمنهم من استجاب ومنهم من رفض ، أغدق القائد الإنكليزي على من تواطأ
معه وأعطاه مبلغا من المال لأجل مأدبة يقيمها للقائد المحتل ، أكل الجميع من هذه المأدبة المدفوعة الثمن وتحدث القائد مع الجميع قائلا ، لا أريد من عشائركم شيئا ما إلا أخبارنا أو إخبار الشيخ بأسماء من يتعرض للقطار بعد هذا اليوم ، أجاب الشيخ نعم لك ما تريد أيها القائد ، قال القائد موجها كلامه للجميع أجلبوا لنا قرآنا ليكون شاهدا عليكم ، جلب الشيخ قرآنه وقبل أن يضع يده على القرآن للقسم نهض أحدهم من مكانه مخاطبا الشيخ ، ( على هونك إمحفوظ خليني أهوّس كبل ما تحلف) ، تفتحت أسارير الشيخ معتقدا أن (المهوال) سيطلق عنان لسانه لصالحه -أي الشيخ -
ليقبض ثمن إهزوجته (هوسته) ، وكانت (نخوة) عشيرة الظوالم هي (ولد جلبه) ، والنخوة هذه يعرفها أبناء العشائر، ولكل عشيرة نخوتها الخاصة بها ، يطلقها أبن العشيرة حينما يظام ولا يجد ناصرا له ، توسط (المهوال) الجمع قائلا
أحنه (أولاد جلبه) وبزرة الشيطان
ويروى
أحنه (أولاد جلبه) وما نهاب الدان - القنابل
نحلف بالترك ما نحلف بقرآن
ونحلف بم (صليب) الجايه من إيران
(الشر يتلبد وأحنه أندور إعليه)
ونحلف ب ( الترك ) دلالة للبندقية التركية التي هي سلاحنا ولا نقبل أن نحلف زورا وباطلا بالقرآن الكريم ، و(أم صليب) البندقية المعروفة والتي كانت تصنع في دولة إيران ويجلبها- (القجخ جيه )- المهربون لبيعها للعشائر الثائرة ، وهكذا أستطاع هذا المهوال الذي لا أعرف أسمه من أن يضيع فرصة الفوز بمغنم خائن للشيخ الدخيل – شيوخ التسعين - ، وخرج القائد الإنكليزي من المضيف خالي الوفاض

ليست هناك تعليقات: