بحث هذه المدونة الإلكترونية

مرات مشاهدة الصفحة في الشهر الماضي

الأحد، 21 نوفمبر 2010

قراءة في كتاب فاطمة المرنيسي-هل انتم محصنون ضد الحريم؟-احمد الحلي


قراءة في كتاب فاطمة المرنيسي :
هل أنتم محصنون ضد الحريم ؟
أحمد الحلي

لم يتطرق الباحثون المحدثون إلى موضوعة هذا الكتاب ؛ " الحريم " بشيء من الإحاطة أو الإفاضة مثلما فعلوا مع مواضيع أخرى أقل أهمية في التراث ، مع أن عالم الحريم كان على الدوام زاخراً بكل مقومات الإغراء والإثارة ، ولا ندري هل هو الحياء الشرقي المعهود ؟ أم أن هناك اعتبارات أخرى تقف وراء هذا الإعراض أو التردد من لدن هؤلاء الباحثين .
وعلى أية حال فقد طرقت الكاتبة المغربية ( فاطمة المرنيسي ) هذا الباب بكل قوة من خلال كتابها الذين بين أيدينا والذي عنونته بصورة استفهامية : هل أنتم محصنون ضد الحريم ؟ والصادر في طبعته الأولى للعام 2000 عن المركز الثقافي العربي في بيروت مترجماً عن اللغة الفرنسية من قبل ( نهلة بيضون ) .
تبتدئ المؤلفة مقدمتها بطريقة تهكمية لاذعة : " لا أريد أن أسبب الهلع لوزير الصحة المنهمك بجلد الكثير من القطط ذكوراً وإناثاً ، ولكن يبدو لي ، استناداً إلى شائعات لجوجة تتناقلها " إذاعة المدنية " ، ولن تتمكن كل الصحون اللاقطة من إسكاتها ، إنّ وباء ( الحريم ) يعيث فساداً في الدار البيضاء ، ويتعلق الأمر بفيروس خبيث للغاية ، من رواسب داء قديم كان منتشراً في القرون الوسطى ، في زمن الخليفة هارون الرشيد ( القرن الثامن ) ، وساد الاعتقاد بإمكانية القضاء عليه على غرار السل والتيفوئيد " .
وتتحدث عن أصل كلمة ؛ جارية ، جري ، أي هرولة ، حسب لسان العرب لأبن منظور ، والجارية هي التي تلبي نداء سيدها ، وتكون في خدمته ، ويخبرنا ابن منظور ، مؤلف لسان العرب ، إن ّجارية مجرد مرادف لخادم ، وثمة مرادف آخر لكلمة جارية هي ( قينة ) وهو أكثر تخصيصاً ، إذ يدل على الجواري اللواتي كن يجدن العزف والغناء ، وبهذا المعنى تكون القينة هي الترجمة الدقيقة للكلمة اليابانية Geisha ( غيشا ) التي تعني حرفياً فنانة ، فالغيشا هي التي ترفّه عن السادة، أما كلمة ( محظية ) التي ذاعت لدى جيراننا الأوربيين، وألهمت فنانيهم بدءاًً من أنغر ( 1780–1867 )، ودولاكروا ( 1798–1863 )، وصولاً إلى ماتيس ( 1869–1954 )، وبيكاسو ( الذي رسم بدوره حريمه ! ) فأصلها تركي Oda ، أي الحجرة ، وتدل تعميماً على البيت وكذلك المرأة الحبيسة فيه .
وتنقل المؤلفة في أحد هوامش المقدمة المزيد عن أصل كلمة حريم ؛ أنظر في لسان العرب لأبن منظور ، أحد أهم مراجع اللغة العربية ، ويرى ابن منظور أن أصل كلمة حريم هي حرام ، أي الأشياء الممنوعة ، ويبدأ فيقول أن أصل الكلمة حرم وحرام أو نقيض الحلال ، وتدل كلمة حريم على ما يحظر لمسه ( والحريم : ما حرم فلم يمس ) ، والحريم ما كان المحرمون يلقونه من الثياب فلا يلبسونها ، وكان العرب في الجاهلية إذا حجوا البيت يخلعون ثيابهم التي عليهم إذا دخلوا الحرم ولم يلبسوها ما داموا في الحرم ، " وكان أهل الجاهلية يطوفون بالبيت عراة ويقولون ؛ لا نطوف بالبيت في ثياب قد أذنبنا فيها ، وكانت المرأة تطوف عريانة أيضاً ، انتهى " .
وعلى ذات المنحى التهكمي لكتابها ، تتحدث المؤلفة في الفصل الرابع عن الفنان الفرنسي ( ماتيس ) بوصفه باشا طنجة ؛ في عام 1912 ، كان ( ماتيس ) يهزأ من رجال طنجة لأنهم غير نسويين ، وكان يعتبر نفسه بالطبع متحضراً جداً في هذا المجال ، ومواكباً للتقدم في مسألة المساواة بين الجنسين ، ذلك أن هذه المسألة كانت مطروحة على بساط البحث في مجتمعه ، ولكننا سوف نرى أن عزيزنا ( ماتيس ) الذي ورث " الديمقراطية " ، على غرار جميع مواطني الجمهورية الفرنسية التي كانت تثير الحيرة والبلبلة في أذهان أبنائها ، إذ تعلمهم أن الاستعمار رسالة حضارية مشرفة ، لم يكن هذا ( الفنان ) يطيق الفرنسيات المتحررات إلا حين يرسمهن على هيئة المحظيات ، جواري هذا الشرق الذي كان يندد برجعيته ، ولقد أمضى ( ماتيس ) حياته يرسم لأبناء بلده مواطنات ينتمين إلى هذه الجمهورية الفرنسية نفسها . متنكرات بزي ( زهرة ) الطنجاوية الوحيدة التي تسنى له أن يلتقيها لقاءً خاطفاً ، في ظروف استثنائية وبالغة التعقيد " . وبعد قليل ترد معلومات أخرى مفصلة عن هذه المسألة ، كان ( ماتيس ) يصور الأقمشة ذات الرسوم الكثيفة التي رآها في المغرب ، وقد واجه على الفور صعوبة في إيجاد العارضة التي تتوضع أمامه ليرسمها ، لأن مقاربة النساء كان عسيراً لا بل مستحيلاً ؛ وعلى سبيل المثال ، كان من غير الوارد دخول نساء من ( السكان الأصليين ) إلى فندق فيلادو فرانس دون إثارة الفضيحة في كل مكان ، وأخيراً ، عثرت له إحدى صديقاته ، السيدة ( رافان ) على شقة صغيرة كانت تأتي إليها فتاة ليرسمها ، ولكنها كفت عن المجيء تحت تهديد شقيقها ، وكانت هذه الفتاة تدعى ( زهرة ) ، وما أن عاد ماتيس إلى طنجة ، حاول البحث عنها بمساعدة بعض الأصدقاء ، والتقى بها أخيراً في أحد مواخير المدينة ، وكان يحرص عليها كعارضة وملهمة لدرجة أنه لم يتردد في ارتياد الماخور من أجل أن يرسمها ! وبعد مرور سنوات عديدة ، ظلت ذكرى الفتاة الطنجاوية ماثلة في المرسم الباريسي للفنان العظيم ، وإثر العودة إلى فرنسا ، رسم ماتيس صوراً لعارضاته الأثيرات أمثال ( لوريت وأنطوانيت وهنرييت ولولو ) ، ولكنه غالباً ما ألبسهنَّ ثياب " المحظية " ...
وفي الفصل الخامس المعنون " هارون الرشيد أو الحريم العربي " ، نقرأ الجملة الموحية ؛ يسحر الحريم لأنه نقطة التقاء وانصهار لثلاثة من أكثر العوامل المرغوبة في العالم ؛ السلطة والثروة والمتعة . وتبين الكاتبة أن الرجال القلائل الذين يحق لهم دخول الحريم هم الخصيان ، أي الرجال الذين تمّ تعطيل وظائفهم الجنسية بعناية ، الذين كانت مهمتهم الوحيدة هي التحقق من عدم وجود ذكر آخر في عالم الحريم غير السلطان الأوحد الذي لا شريك له ...
وتسرد المؤلفة بعض الحقائق والوقائع المستلة من التاريخ العربي ؛ لا يتوقف المؤرخون العرب عن تعداد الجواري ولاسيما الفخامة التي كانت سائدة في الحريم ، ويشددون على أن ( زبيدة ) كانت الزوجة الأولى في التاريخ العربي التي استعملت أواني من الذهب الخالص ، في حين كان غالبية رعايا الإمبراطورية يعانون الفاقة .
وبعد حديثها في الفصل السادس عن حريم السلطان العثماني محمد الثاني " الفاتح " ، ثم في الفصل السابع عن الحريم الإغريقي والروماني ، نراها تتحدث في الفصل الثامن عن الكاهن الألماني الجريء ( يوهان ليزر ) الذي أقدم في العام 1974 على تأليف رسالة يعدد فيها فضائل تعدد الزوجات ، " وبالرغم من أنه حرص على نشرها تحت اسم مستعار ، فقد افتضح أمره ، وصبّ عليه المجتمع اللوثري في مدينة هامبورغ جام غضبه ، فاضطر بسبب موجة الاستنكار العارمة التي أثارها للهروب إلى الدنمارك ، ثم إلى اسوج ، بعد أن طرده الملك كريستيان الخامس بدوره " .
وينقل لنا الكتاب أن شاعراً فرنسياً معروفاً هو جيراردي نرفال قام باقتناء أَمَة من جزيرة جافا أثناء اقامته في القاهرة عام 1843 ؛ " لقد قيل لي أن النخاس قد خدعني حول مواصفات الأَمَة ، أو أنها تشكو من عيب يستدعي إبطال البيع ، ولم اعتقد قط أن أوربياً قد يلجأ إلى هذا البند المخجل لو أنه تعرض للاحتيال ... ولقد غفت الطفلة المسكينة . وفيما كنت أتأمل شعرها باهتمام المالك الذي يشعر بالقلق من العيوب التي قد تشوب السلعة التي اشتراها " .
وتتطرق المؤلفة إلى رياء المرويات الأوربية عن الشرق ، فمسألة الخصي والإخصاء التي غالباً ما يصم بها هؤلاء التاريخ العربي والإسلامي ، نرى جذورها موجودة لدى الفكر والديانة الغربية على وجه التحديد ، حيث يرى القديس أوغسطين " أن المسيحية لا تعترف بالمتعة " ، بل وتحض على تفادي اللذة حتى في إطار الزواج ؛ ونقرأ لهذا القديس أيضاً ، يجب على الأزواج الامتناع عن المتعة طوال السنة " .
وفي حين يحدد الخيال الغربي الخصي على أنه كائن شرقي أصيل ، متناسياً أنه كان في البداية ، وقبل ظهور الإسلام ، وليد العالم المسيحي المهووس بمثال العفة ، حيث تمادت بعض الفرق الدينية في رغبتها بالامتناع عن الجنس ، فخصى أعضاؤها أنفسهم للفوز بـ " ملكوت السماوات " ، وكان ترتوليان يقول ؛ " إن ملكوت السماوات مفتوح للخصيان " .
وفيما بعد ، ندد المفكرون الأوربيون أمثال ( جان جاك روسو ) بإخصاء المطربين ، وشجب ( روسو ) هذه العادة الهمجية في " موسوعة الموسيقى " التي وضعها قائلاً ؛ " لا تعوض ميزة الصوت لدى المطربين الخصيان خسائر كثيرة أخرى ؛ فهؤلاء الرجال الذين يجيدون الغناء ، إنما دون حرارة أو شغف ، من أسوأ الممثلين على خشبة المسرح ، يفقدون صوتهم سريعاً ويتكون لديهم كرش مقرف ، ويتحدثون ويلفظون بأسوأ مما يفعل الرجال العاديون ، بل ثمة حروف كحرف الراء لا يستطيعون لفظها مطلقاً " .
فهذا الفيلسوف الذي يُعد ملهماً أساسياً من ملهمي الثورة الفرنسية ومبادئ حقوق الإنسان لم يكن بوسعه قط الانتصار لإنسانية هؤلاء بقدر تأسفه على فقدانهم بعض المزايا التي تدخل في إطار الإمتاع ، ومع ذلك ، نراه يعترف بأنه " استمتع سراً ، في البندقية، في مقصورته بمسرح القديس يوحنا بـ( الغناء الرقيق والمنسجم ) و ( الأناشيد الملائكية ) التي كانت حنجرة كاريستيني ( الخصي ) تغدقها على الحاضرين " .
وفي الفصل الحادي عشر ، وخلال حديثها عن " الخصي المسلم " ، تقول المؤلفة ؛ لقد كان الخصي معروفاً في قصور السلاطين العثمانيين ، وعندما تشتت آخر حريم إمبراطوري مسلم رسمياً ، وألغيت هذه المؤسسة نفسها عام 1909 ، إثر خلع السلطان عبد الحميد عام 1908 على يد الشباب الأتراك ، تبين أن هذا السلطان كان يملك في قصره 370 محظية و 127 خصياً لخدمته ، وقد أرغم على العيش في المنفى في سالونيك ، ولكنه حرم من حريمه ، وسمح له بأن يختار بعض المحظيات فحسب ، وأثناء ذلك ، وبعد أن تمّ إقرار وإصدار العديد من القوانين في الدول الأوربية التي تحظر العبودية ، ولاسيما القانون البريطاني الصادر في العام 1833 ، نرى العديد من الزعماء المسلمين يعترضون على ذلك الحظر ويعتبرونه " تدخلاً في الشؤون الداخلية للدول " .

ليست هناك تعليقات: