بحث هذه المدونة الإلكترونية

مرات مشاهدة الصفحة في الشهر الماضي

الجمعة، 1 يوليو 2011

الإسلام والنظام العلماني! (३-عماد رسن



الإسلام والنظام العلماني! (3)
لقد كتبت في المقال السابق (الدين في حماية النظام العلماني) بأن وضيفة النظام العلماني ليست حماية الدولة من المؤسسة الدينية فحسب, بل من أجل حماية المؤسسة الدينية من الدولة أيضا ً. فإذا كان الأمر كذلك, فهذا يعني بأن العلمانية مع الديمقراطية مطلب ملح لمجتمعاتنا التي يُستغل بها الدين ويُوضف من قبل الحاكم والحزب والأيدلوجية, حتى لو كانت أيدلوجية إسلامية, لخدمة مصالح فئة معينة, أو حزب واحد, أو فرد واحد. ولكن, هل يتوافق الفكر الإسلامي مع العلمانية كنظام أو إطار قانوني ينظم العلاقة بين الدين والدولة, أذا مافهمنا بأن العلمانية هي ليست فصل الدين عن الدولة فحسب, بل هي نظام يعيد تنظيم العلاقة بين الدين والدولة, كما أوضحت في المقال السابق.
قبل الخوض بموضع التوافق بين الإسلام والنظام العلماني, هناك سؤال لابد من طرحه وهو: هل هناك إسلام واحد موحد في العقيدة والفقه والأخلاق, أم أن هناك أكثر من فهم وتصور للإسلام تبعا ً للزمان والمكان؟ بالتأكيد لايوجد إسلام واحد بل تصورات تختلف وتصتدم فيما بينها أحيانا ً حول حقيقة موضوعية واحدة, كالإختلاف في تحديد أول يوم للعيد أوأول يوم من شهر رمضان. فهناك بالتأكيد الكثير من الفرق والطوائف الإسلامية المختلفة. سوف أختصر تلك التصورات الإسلامية حول العلمانية في ثلاث مجموعات, الأولى وهو التصور السلفي الذي يرفض العلمانية جملة وتفصيلا, والثاني هو التصور المعتدل الذي لايمانع في تطبيق النظام العلماني مالم يصتدم بمبادئ الشريعة الإسلامية, والثالث هو التصور الليبرالي الذي يرى من الواجب تطبيق العلمانية بإعتبارها تحفظ الحقوق والحريات الفردية والتي تنسجم مع التوجه الليبرالي وهي البوابة للدخول في عصر الحداثة. سأناقش في هذا المقال التصورين الأول والثاني بإعتبار أن التصور الثالث قد تجاوز إشكالية العلمانية. أما بالنسبة للشيعة فهم على قسمين, الأول وهو الذي يؤمن بالدور السياسي للدين, كنظرية ولاية الفقيه في ايران, حيث لامكان للعلمانية في هذا القسم, أما القسم الثاني فلايتدخل بالسياسة ولايدعوا لدولة دينية في الوقت الراهن فهو يقبل العلمانية للحد الذي لاتصتدم به مع مبادئ الدين.
أن التصور السلفي يرفض رفضا ً قاطعا ً العلمانية ويعتبرها كفرا ً وإلحادا ً, بل يرفض القيم الغربية الأخرى كالديمقراطية وحرية الإعتقاد والأديان. يعود هذا الرفض وتلك القطيعة, حسب رأي اولفر روي والباحث طلال أسد لسببين رئيسيين, الأول وهو أن القيم الغربية ومنها العلمانية ترتبط إرتباطا ً وثيقا ً بالثقافة المسيحية وبتجربة الإستعمار, أما السبب الثاني وهو أن القيم الغربية ومنها العلمانية طبعا ً ليس لها جذور أو أصول في كتب التراث الإسلامي كالقرآن والسنة. أضف إلى ذلك بأن الإسلام السياسي السلفي له تصوره الخاص به عن مفهوم الدولة التي لابد أن تكون على شكل الخلافة الإسلامية حيث لايوجد فصل بين الدين والدولة.
أما التصور المعتدل فهو يقبل بالقيم الغربية ومنها العلمانية مالم تختلف مع الشريعة الإسلامية. من هنا لابد من الذكر بأن فكرة تطابق الأفكار الغربية, وبالخصوص الليبرالية منها مع الشريعة فيها الشيء الكثير من عدم الوضوح. إن السؤال المهم هو, هل هناك شريعة موحدة لكل الطوائف الإسلامية, وإن كانت كذلك فهل هي ملزمة في كل زمان ومكان؟ الجواب بالتأكيد أنه ليس هناك شريعة موحدة مما يجعلها موضوعا ً مثاليا ً أكثر منه واقعية, على رأي روي. أما التغيير في الشريعة فهو وارد, ولما لا إذا مافهمنا بأن القران غير الكثير من الأحكام النازلة مجاراة للواقع بصيغة الناسخ والمنسوخ. إذن, لابأس من التجديد بالشريعة مادام المبدأ الأساسي هو أن الواقع الذي يفرض التغيير تبعا ً للمصلحة العامة, وقد تجاوزت الكثير من الفرق الإسلامية ذلك من خلال فتح باب الاجتهاد, كالشيعة مثلا.
وعلى هذا الأساس لايوجد مانع من قبول النظام العلماني بالنسبة للإسلاميين المعتدلين إذا ما فهمنا بأن اغلب القيم الغربية تلتقي مع القيم الإسلامية في المبدأ, كحرية الإعتقاد (لا إكراه في الدين), وحرية الأديان (لكم دينكم ولي دين), والتعددية (خلقناكم شعوبا ً وقبائل ), ومبدأ الديمقراطية (إني جاعلك في الأرض خليفة), إذا مافهمنا بأن النبي محمد صار ولي أمر المسلمين ليس بأمر من الله فحسب, بل من خلال قبول الناس به وبيعته في العقبة الأولى والثانية, فهو ليس مسلطا ً على رقاب الناس بل حكم برضاهم, وإلا مالسبب الذي يجعله يطلب بيعتهم, وأخيرا ً في حديث للنبي محمد (أنتم أعلم بشؤون دنياكم) والذي يدعوا لعمل كل فرد في مجال إختصاصه. إذن, لاتوجد أشكالية من الناحية المبدئية في قبول العلمانية من الناحية الإسلامية كنظام ينظم العلاقة بين الدين والدولة, إذا مافهمنا بأن أغلب الدول الإسلامية تحكمها أنظمة علمانية على مدى العصور على حد قول روي. ولكن, كيف يمكن فصل الدين عن الدولة من الناحية العملية, وهل يشبه النموذج الإسلامي المسيحية بإنفصالها عن الدولة بشيء؟ هذا ما سأتناوله في المقال المقبل.

عماد رسن

الخميس، 30 يونيو 2011

تصبحينَ عليَّ / سليمان دغش-اللوحات غالب المسعودي




تصبحينَ عليَّ / سليمان دغش
تُصبحينَ عَليَّ..
وَأَذهَبُ للنومِ وَحْدي
أُقبِِّلُ سَمّاعَةَ التِّلفونِ وَأبعَثُ سِرْبَ فَراشٍ
ليَحْرسَ نَوْمَكِ
لَيْتَ الوِسادةَ نِصْفُ ذِراعي
وَلَيْتَ ذِراعي
عَليْكِ تَنامْ
تُصْبِحينَ عَليَّ
وَأَذهَبُ للنَّومِ وَحْدي
أُلَمْلِمُ ذَيْلَ الحَديثِ الطَّويلَ
وَأجمَْعُ ما يَتَساقَطُ مِنْ شفَتَيْكِ
ويُمطِرُ فِيَّ .. سَحابُ الكَلامْ..!!
تُصْبِحينَ عَليَّ
وَوَحْدي أُسافِرُ في هدأَةِ الليلِ بينَ ستائر روحي
أكادُ أُحسُّكِ ملءَ الحنايا
وبينَ تفاصيلِ جِسمي النَّدِيّ
وأسألُ من أينَ لي كلُّ هذا الغمامْ ؟
فَإِلى أَيِّ أَرْضٍ يَطيرُ الفُؤادُ، أسيرُ يديك
رهينُ الرّخامِ الحرامِ على كَتِفَيْكِ
البَهيَّيْنِ مثلَ مَرايا النَّهارِ الشَّهيِّ
إِلى أَيِّ بَحْرٍ تَهمُّ النَّوارسُ فِيَّ
إِلى أَيِّ لَيْلٍ تُجَرْجِرُني الهَواجِسُ فِيكِ
إِلى أَيِّ رَوْضٍ يَفرُّ ويهمي بروحي الحَمام ْ؟!
كَيْ أَحُطَّ عَلى قدَمَيْكِ قَليلاً
أداعبُ لوحَ البيانو الصغيرَ
وَأُلقي عَلى ناهِدَيْكِ السَّلامْ
أُقبِّلُ عَشْرَ أَصابعِ شَمْعٍ عَلى قدَمَيْكِ
تُضيءُ وتوجِعُ هذا الظَّلامْ..!
وَحْدها الرّوحُ تَنفِشُ طاووسَها وَهَجاً
كُلَّما اندَلَعَ الثَّلجُ في رُكبَتيْكِ
وَعَربَدَ تَحْتَ الرِّداءِ
الرّخامْ...
كانت الرّوح مِن أَمرِ ربي
فكيفَ تجرَّأتِ أنْ تأخُذيها إليكِ بأمرٍ
يُعادِلُ أمر السماءِ
وإني بحبّكِ أَنتِ بلغتُ لَعَمري حُدودَ الحَرامْ
تُُصْبحينَ عَليَّ
وُأُصبحُ فيكِ
فَلَسْنا نفيقُ
وَلَسْنا نَنامْ..!!؟

لا تستفزوا العراق الشقيق -د. محمد صالح المسفر


لا تستفزوا العراق الشقيق
د. محمد صالح المسفر
2011-06-27

(1)
العراق ركن اساسي من اركان الوطن العربي، ومصير العرب مرتبط بمصيره، والشعب العراقي ساهم في تأسيس الحضارة الانسانية عامة والعربية الاسلامية على وجه التحديد من عهد حمورابي (1700 ق. م. ) والى عام 2003 عام النحس على العراق الشقيق والامة العربية عامة. من المؤسف ان الشرور توالت على العراق بفعل بعض من ادعى انه من ابناء الرافدين، وتعاظمت تلك الشرور من جواره العربي، والمحرك لكل هذا وذاك دولة الاستكبار العالمي، لكن قيض الله لها من يجرعها سم الهزيمة في العراق، انهم ابناء الرافدين البواسل.
اريد ان انبه كل الذين يستغلون ضعف العراق بعد احتلاله عام 2003 للنيل منه ومن كرامته ووحدة اراضية ان لا يتمادوا في استفزاز هذا الشعب العظيم تارة بالاصرار على ابقاء قرارات مجلس الامن الصادرة تحت بند الفصل السابع من الميثاق سارية المفعول، وتارة اخرى باستنزاف ثرواته بدون وجه حق وثالثة بتغيير معالم الحدود الجغرافية في جنوب العراق.
حدود العراق الجغرافية معروفة لكل منصف ـــ من حقب ما قبل العهد العثماني مرورا بالاحتلال البريطاني وقيام النظام الملكي وحتى عام 1991 م ـــ لا ينكرها الاظالم أوجاهل بوقائع التاريخ. الشعب العراقي اسد جريح بفعل البعض ممن يدعون الانتساب اليه، وبفعل جواره العربي والاسلامي وبفعل الدول الكبرى المتحكمة في ادارة مجلس الامن الدولي فلا تزيدوا جراحه عمقا بتصرفاتكم اللامسؤولة في جنوبه.
الاسد الجريح يكون اكثر شراسة عندما يستفز او يحاول احد اهانته او المساس بعرينه، وهذا طبع الشعب العراقي الشقيق.

( 2 )

بصرف النظر عمن يحكم العراق فكلهم مجمعون على تثبيت حقوقه الجغرافية في اي جبهة كانت، وبصرف النظر عن رأينا في الحكومة الحالية وشرعيتها الا اننا نقف معها صفا واحدا في وجه كل من يحاول المساس بسيادة العراق والاستقواء على حدوده التاريخية او النيل من مكانته او اهانة هذا الشعب العظيم بطريقة مباشرة او غير مباشرة، انه صانع حضارة انسانية يعتد بها على مستوى العالم كله وهكذا يجب التعامل مع العراق.
في اعقاب الحرب العالمية على العراق (33 دولة حاربت العراق) والتي استمرت من عام 1991 ـ 2003 واخيرا تم احتلاله، استغلت دولة مجاورة هذا الضعف الذي اصاب العراق فراحت تتوسع في الاراضي العراقية بمساعدة الدول المنتصرة في الحرب على العراق وفُعّل دور مجلس الامن لتحقيق تلك المهمة. على اثر ذلك فقد العراق اراضي واسعة غنية بالبترول وفقد ميناء (ام قصر) البحرية التجارية لان هذه المنطقة ضمت الى دولة الكويت بقرارات مجحفة وظالمة، كذلك استيلاء الكويت على ممر الملاحة البحرية في خور عبد الله الحق اضرارا بالغة بالموانىء العراقية مثل ميناء خور الزبير، وميناء البتروكيماويات وغيرها من الموانئ العراقية الصغيرة المتخصصة المطلة على الخليج العربي. ان الخط القاطع للممر الملاحي العراقي الضيق والمحصور بين ميناء ام قصر العراقي المغتصب وجزيرة (حجام) سيجعل الموانئ العراقية محاصرة تماما، ومعزولة عن العالم، وسيكون العراق دولة مغلقة لا صلة لها بالبحر. (عماد علّو 25 /5 /2011) وهذا خنق للعراق يجب عدم القبول به عربيا.

( 3 )

اعتقد ان الكويت لديها من الازمات ما يكفيها طبقا لما تنشره وسائل الاعلام الكويتيه ومع الاسف الشديد ان بعض اصحاب المصالح بوعي او بدون وعي يزيدون من ازمات الكويت بفتح ابواب اخرى للازمات الماحقة على سبيل المثال: اقدام الكويت على بناء ميناء مبارك الكبير الذي سيلحق اضرارا بالغة بالموانئ العراقية.
ان الاستمرار في تنفيذ هذا المشروع سيزيد من كراهية العراقيين للكويت لان هذا المشروع سيلحق الضرر بالاقتصاد العراقي بشكل مباشر وعلى الجرف القاري وممرات الملاحة. ان عمليات الحفر والردم، وانشاء السواتر الخرسانية في خور عبد الله سوف تلحق الضرر بالثروة السمكية في المياه الاقليمية العراقية، والتي تعتبر مصدر الرزق لآلاف العراقيين من سكان جنوب العراق.
ان الكويت لديها عدد من الموانىء هي ميناء الشعيبة، والاحمدي وميناء عبد الله وميناء الشويخ تخدم مساحته البالغة 18 الف كلم2، وسكان لا يزيدون عن 800 الف نسمة غير العابرين من غير الكويتيين ولا حاجة لها للتوسع في بناء موانىء جديدة، بينما ميناء ام قصر العراقي السليب يخدم سكانا يزيدون عن 26 مليون عراقي ومساحة ارض تقدر 437 كلم2 فاي عدالة هذه.
اخر القول: ان خنق العراق بحريا من قبل جيرانه اليوم امر لا يجب السكوت عنه عربيا، ان السكوت والتمادي في الحاق الاضرار بالعراق ستكون له عواقب وخيمة على المنطقة برمتها.

نيكوس كازانتزاكيس -اختيار سوسن سوشان



‫الأوذيسة

نيكوس كازانتزاكيس

استهلال

يا شمسُ،* يا مشرِقيَّ العظيمَ، وقَلَنْسُوةَ عقلي الذهبيةَ،

يروقُ لي أن ألبسَكَ مائلاً، إذ أتحرَّقُ للَّعبِ،

مادمتَ حيًّا، ومادمتُ أنا أيضًا حيًّا، حتى يفرحَ قلبُنا.

طيبة هي هذي الأرضُ، تلذُّ لنا، مثل عنقودِ العِنَبِ الأجْعَدِ،

في مهبِّ الريح الزرقاء – إلهي – تتدلَّى، تتأرجح،

وتنقرُها الأرواحُ وطيورُ الهواء؛

فلننقرْها نحن أيضًا، حتى يترطَّب عقلُنا!

بين صدغيَّ الاثنين، في الدَّنِّ العظيم،

أدوسُ العنبَ المقرقِشَ، والعصارةُ المتغطرسةُ تغلي،

والرأسُ كلُّه يضحكُ ويتبخَّرُ في النهارِ الصَّلد.

هل شرَّعتِ الأرضُ أشرعةً، أجنحةً، فارتجَّ الدماغ؟

والضرورةُ، أمُّ العيونِ السُّودِ، هل سَكِرَتْ وانطلقَتِ الأغنية؟

ملتهبةٌ السماءُ من فوقي، وبطني، من تحت،

كالنورسِ على صفحةِ اليمِّ يستحمُّ في الزَّبد؛

امتلأ منخراي ملحًا، وكَتِفايَ تلطمُهما

الأمواجُ متلاحقةً، وتمضي، وأمضي أنا الآخرُ معها.

أيا شمسُ، أيها الشمسُ المثلَّثُ الذي يمرُّ في الأعالي ويُبْصِرُ في الأسافل،

أرى قلنسوةً بحريةً، قلنسوةَ هادمِ الحصون؛

فلنركُلْه لهوًا، ونرى إلى أيِّ مدًى سوف يمضي!

للزمنِ – لو تدري – أوْباتٌ، وللمصيرِ دواليب،

والعقلُ البشريُّ، جالسًا في الأعالي، هو الذي يديرُها؛

هيَّا، ولنركُلِ الأرضَ، فتهوي متدحرجة!

يا شمسُ، يا بصري الثاقبَ اللاهي، يا كلبيَ الصيَّادَ المحمومَ،

جِدِ الفريسةَ التي أهوى وطارِدْها؛

خبِّرني بكلِّ ما ترى على الأرض، وافِني بكلِّ ما تسمعُ،

فأُدخِلُه إلى البوتقةِ السرِّيةِ في أحشائي،

ورويدًا رويدًا، ضَحِكًا ولهوًا وملاطفةً متأنية،

تصيرُ الحجارةُ والماءُ والنارُ والأتربةُ كلُّها روحًا؛

والنفسُ الثقيلةُ، الطينيةُ الجناحين، تُفارِقُ الجسمَ بلطفٍ،

فتَصَّاعَدُ كاللَّهبِ الهادئِ وتغيبُ في الشمس!

قد شبعتُم، يا أصحابُ، وارتويتُم عند ساحلِ البهجة:

ضحكٌ، ورقصٌ، وقبلاتٌ خاطفةٌ، وثرثرةٌ لا تنتهي

تُخمِدُ العيدَ فيكم وتُوارِيه الجسدَ؛

لكن الخمرَ فيَّ يفورُ، واللحمَ يُبعَثُ،

وريحٌ بَحْرِيةٌ تَثِبُ حتى توشكَ أن تطوِّحني؛

بي توقٌ إلى إنشاد أغنية، فأفسِحوا لي، يا إخوانُ، المجال!

أوَّاه، ما أوسعَ الحفلَ وما أضيقَ المكان –

أوسِعُوا لي، فيكونَ لي مدًى لأستلقي وريحٌ لكيلا أختنق،

فأقدرَ أن أطرحَ ساقيَّ، وأمدَّ ذراعيَّ،

لئلا أجرحَ في عنفواني نساءَكم وأطفالَكم.

إذ أحسَبُ أنها ستمسكُ بخناقي حين أطلقُ كلماتي

ترتحلُ من ضفةٍ لأخرى مُلاحِقةً البشر؛

وحين يجفُّ حلقي ويبرِّح بي وَجَعي،

سأنهضُ، وأطلبُ فضاءً لأرقصَ على الشاطئ.

جرِّدني من حصافتي، إلهي، لينشقَّ الصدغان،

وتنفتحَ حُفَرُ العقلِ، ويتنفَّسِ العالم!

إيه، أنتم أيها القرويون النَّملُ، يا عتَّالي القمح،

سألقي خشخاشًا أحمرَ، فيشتعلَ السَّهْلُ.

وأنتنَّ أيتها الصَّبايا ذوات الحماماتِ البرِّيةِ على صدوركنَّ الرطيبة،

ويا أيها الفتية الحاملون السكاكينَ سودَ المقابضِ في الزنَّار،

شجرةٌ يابسةٌ بلا زَهْرٍ هي الأرضُ، مهما جاهدتُم؛

أنا – ويحكم – بأغنيتي، سوف أجعلُها تُزهِر!

أيها الحرفيون، دَعْكم من عُدَّتِكم، واطووا مآزرَكم،

تحرَّروا من نيرِ الضَّرورة، فالحرية تستصرخكم.

الحريةُ، ليستْ خمرةً، إخواني، ولا امرأةً حلوةً،

ولا خيراتٍ في بيوتِ مُؤَنِكم، ولا وَلَدًا في المهد،

بل أغنيةٌ متوحدةٌ، أبيَّة، تضيعُ في الريح!

اشربوا من ماء الرفضِ اللاذعِ، فيتطهَّر العقلُ منكم،

انسوا عقاقيرَكم وهمومًا مخزية،

ولتصبحْ قلوبُكم قلوبَ أطفالٍ، عذراءَ، هشَّةً، خليَّةَ الهمِّ؛

ولتُزهري، يا أدمغةُ، ليأتي البلبلُ ويصدح!

وأنتم، يا شيوخُ، فلتَعْلُ صرختُكم، لتنبتَ أسنانُكم من جديد،

ويعودَ شَعرُكم غُرابيَّ السَّوادِ، ويتوثَّبَ العقلُ طليقًا!

وحقِّ أفَنْدِينا شمس وسيِّدتِنا قمر،

ما الشيخوخةُ إلا حلمٌ كاذبٌ وما الموتُ إلا وَهْم؛

كلُّ شيء من صنعِ النَّفْسِ وألاعيبِ الفكر،

كلُّ شيء نسمةٌ تهبُّ فينفتحُ الصَّدغان؛

هو حلمٌ لطيفٌ حُلِمَ به فوُجِدَ هذا العالم؛

فلنمضِ، يا أصحابُ، فاتحين العالمَ بالغناء!

إيه، يا رفاقَ السَّفَرِ، خذوا المجاذيفَ، فالربَّانُ قادم؛

ويا أمَّهاتُ، أرضِعْنَ أطفالكنَّ فيكفُّوا عن البكاء!

هيَّا! – اطردوا همومَكم التافهةَ من البالِ، وشنِّفوا آذانكم؛

فسأحكي لكم مغامراتِ أوذيسيوس الشهيرِ ومكابداتِه.

***

ترجمه عن اليونانية: ديمتري أفييرينوس

الأربعاء، 29 يونيو 2011

شوي شوي على الأميركان الله يرضى عليك


شوي شوي على الأميركان الله يرضى عليك

الله أكبر والعزة للعربان. السيد أمين عام جامعة الدول العربية، عمرو موسى، يهدد أميركا بخصوص القضية الفلسطينية: 'سنمهل أميركا أربعة أشهر وبعدها سنقرر ماذا سنفعل'.
وأرجو أن يعذرنا البيت الأبيض والبيت الذي خلفه إذا ما امتلأت المحيطات بالفرقاطات الكويتية،والقوات الخاصة السعودية, والقاذفات البعيدة المدى الاماراتية, وحاملات الطائرات البحرينية، والغواصات الموريتانية، والحرب الإلكترونية الصومالية، والصواريخ الذكية الجيبوتية، والتكنولوجيا المصرية، ووو، فقد بلغ السيل الزبى، وقد أعذر من أنذر. واللي يخاف من الدم يقعد في بيته ويتلمّ.
على بركة الله. خلاص، حانت ساعة الصدق. اعتبروا لوس أنجلس سقطت بعد الحصار والمنجنيق، وامسحوها من الخارطة وضمّوها إلى والي الكوفة، واعتبروا أهل تكساس يدفعون الجزية وهم صاغرون. مرحى مرحى. عليّ النعمة لنقصفنهم بالدعاء قصفاً مبيناً، فهزّوا رؤوسكم معي وأمّنوا: اللهم زلزل الأرض تحت أقدام الأميركان، اللهم واجعل نساءهم سبايا للعربان ورجالهم طعاماً للغربان، اللهم واجعل الفاتنة السمراء، كونداليزا رايس، أمةً من إماء الزميل جابر الهاجري، تعجن العجين وترضع الجنين، وتنظّف الحنطة وترتّب الشنطة، يا حي يا قيوم.
لا شك، هناك 'لَبْس تفاهم' عند العرب وأمينهم العام. ولو كنت مكان عمرو موسى لتركت أميركا في أميركاها، ولتوجهت إلى العرب فأمهلتهم أربعين سنة، يقومون خلالها بإعادة ترميم أرصفة شوارعهم، ويمنعون الغش في الرغيف، ويراجعون طريقتهم في اختيار الوزراء، وفي التعامل مع المسؤولين. ففي الكويت، مثلاً، قامت حملتان متضادتان، الأولى ضد رئيس الحكومة بعنوان 'ارحل'، والثانية مع رئيس الحكومة، يؤيدها بعض الوافدين بعنوان 'غير السّوباح ما نبي'، أي لن نقبل أحداً غير أسرة 'السّوباح'، التي هي أسرة الصُّباح الحاكمة. وهم بذلك يريدون تصوير الأمر وكأن حملة 'ارحل' تسعى إلى الانقلاب على الحكم.
وكان من ضمن حملة 'ارحل' محامٍ في إدارة الفتوى والتشريع، اسمه فيصل اليحيى، وفي حملة 'السّوباح' المضادة، كانت تقف زميلته في نفس الإدارة. فماذا حدث في بلاد العربان؟ لا شيء جديد... المحامي تعرض للبهاديل والغرابيل، وتم تأخير ترقيته، وأوقعت عليه عقوبات شرسة، إحداها خصم نصف راتب الشهر الأول، ثم خصم ربع الراتب مدة سنة. في حين تعرضت زميلته للهواء المنعش.
فيا عمّنا عمرو موسى، دع عنك الأميركان فهم ليسوا خصوم الشعوب العربية، ووجّه فرقاطاتك إلى الحكومات العربية التي تعتبر الشعب كالكمنجة، تحزّ رقبته فيصرخ ألماً، فتتمايل هي طرباً، وحرّك غواصاتك إلى القياديين العرب الذين ما إن ينتقدهم أحد، حتى يسقط على رأسه جلمود صخر من علٍ، أكبر من جلمود الأستاذ امرئ القيس.
يا عمنا عمرو موسى، لن تستعيدوا فلسطين إلا إذا استعدتم كرامة الشعوب، فرتّب أولوياتك،
ولا تكن كتلك الصبية الجامعية التي اتفقت مع زميلها على الخروج إلى أحد المقاهي، وسألته: ' هيّه سيارتك نوعها ايه؟'،
فأجابها: 'هناك خطأ في ترتيب الأسئلة ، كان يجب أن تسأليني ( هل تمتلك سيارة أم لا ؟ ) وستوفّر إجابتي عليك طرح السؤال الثاني'.
يا عمنا عمرو موسى، قبل أن نهدد أميركا ونحتل كندا، أظن أن علينا توفير طبيب واحد، أكرر 'طبيب واحد'، يدور بين القرى الصومالية ليعالج الفقراء والمعوزين بدلا من انتشار 'المعالجين بالبصق' الذين أثروا ثراءا فاحشا بفحش فاحش.
يا عمنا عمرو موسى... شوي شوي على الأميركان الله يرضى عليك، وإذا دعتك قدرتك على ظلم 'الناتو' فتذكر قدرة الله عليك

الثلاثاء، 28 يونيو 2011

الدين في حماية النظام العلماني! -عماد رسن


Imad Rasan
8:00pm Jun 28
‫الدين في حماية النظام العلماني! (2)
لقد كتبت في مقال سابق بعنوان (الدين والدولة في النظام العلماني!), أن هناك نوعان من العلمانية, الأولى تسعى لفصل الدين عن المجتمع, كما في فرنسا, في تركيا, والثانية تسعى لفصل الدين عن الدولة كما في أغلب الدول الغربية. في هذا المقال سيكون النوع الثاني هو المنطلق النظري من أجل فهم أكبر للعلمانية وطريقة ملائمتها مع الديمقراطية لمجتمعاتنا العربية.
كما ذكرت سابقا ً بأن النظام العلماني هو الإطار القانوني الذي يحفظ حقوق وحريات الأفراد والأقليات, ويحفظ حرية التعبير من خلال فتح الفضاء العام (public sphere) أمام وسائل الإعلام ومن خلال الشفافية في إدارة الدولة, حيث تكون الدولة هي نقطة الصفر أو الحياد بين جميع الأفراد والمجموعات, أو في أقصى حد تميز الدولة بعض المجموعات من الأقليات والمهمشين تميزا ً ايجبيا ً في مجتمع متعدد الثقافات (multicultural). إن فلسفة العلمانية قائمة على فصل كل ماهيو غيبي, ميتافيزيقي عن شؤون إدارة الدولة والتي تعتبر شأناً دنيويا ً بحتا ً خاضع للعلم والتجربة بعيدا ً عن إملاءات المؤسسة الدينية. وتعود تلك الفلسفة في جذورها إلى الحركة الإنسانية التي ظهرت في عصر النهضة في القرن الرابع وبداية الخامس عشر في إيطاليا, حيث التركيز على الإنسان كمحورللحركات الاجتماعية والثقافية. إلا أن العلمانية وحدها غير كافية لحماية تلك الحريات والحقوق, فالعلمانية كنظام في إدارة الدولة يعتمد في تطبيقه على شكل وطبيعة نظام الحكم في البلد. فإذا كان نظام الحكم ملكيا ً أو جمهوريا ً أو شموليا ً أو دكتاتوريا ً, فبالتأكيد سيكون هناك فرق في تطبيق النظام العلماني. الكل يعرف بأن أغلب الدول العربية علمانية في نظامها, فهي تفصل الدين عن إدارة الدولة. إن سيطرة حزب واحد, كما في العراق سابقا ً وفي سوريا اليوم, أو سيطرة أيدلوجية واحدة كما في كوبا والإتحاد السوفيتي سابقا ً, أو سيطرة فهم واحد للدين وتحوله إلى أيدلوجيا كما في النظام الثيوقراطي في أيران, يجعل من الدين أداة أو ضحية يتم إستغلالها من قبل الدولة. لهذا السبب يكون الدين بعيدا ً عن الخطورة في حماية النظام العلماني مع وجود الديمقراطية, حيث التعددية وضمان حرية الأديان.
إذن, نحن هنا أمام تحد جديد, وهو سيطرة الدولة, أو الحزب, أو القبيلة, أو الأيدلوجيا حتى الإسلامية منها, على المؤسسة الدينية حيث تقوم بإستغلال الدين أو محقه تماما ً. فالدين هو الآخر بحاجة لحماية في ظل العلمانية وليس حماية الدولة منه فقط. فالأيدلوجية الشيوعية لم تدخر وسعا ً في طمس الثقافة الدينية بإعتبارها أرث ميتافيزيقي متخلف أو افيون للشعوب. أما الأنظمة الشمولية فهي تسيطر على جميع مفاصل الدولة بما فيها المؤسسة الدينية محاولة تسخيرها من أجل خدمة الحزب الواحد أو الأيدلوجية الواحدة. فلا ننسى بأن الحوزة العلمية في النجف في العراق كانت تتعرض بإستمرار لضغوط الدولة المتمتثلة بحزب البعث من أجل الحصول على مواقف سياسية تخدم الحزب, أو أستغلال الدين في الحملة الإيمانية من أجل نفس الهدف. حتى في الأنظمة الأقل عنفا ً ودكتاتورية, نرى أن رئيس المؤسسة الدينية ينصب من قبل الملك أو رئيس الدولة, أوليس ذلك تدخل السياسة بالدين وليس العكس!
من هذا المنطلق, تكون العلمانية ليس من أجل حماية الدولة من الدين فحسب, بل من أجل حماية الدين من الدولة التي تستغل الدين لخدمة أيدلويجة معينية أو حزب معين, كما يقول اولفر روي, أو حماية الدين من التدين السياسي وتحول الدين إلى ايدلوجية. أن مشكلة التدين السياسي ومشكلة الايدلويجة تكون أساسية أو أصولية في طبيعتها (fundamental), حيث تتعامل مع كل مايحدث من حراك إجتماعي أوتتعامل أيضا ً مع الآخر ليس بما هو كائن, بل بما يجب أن يكون. فكل أيدلويجة تنظر للأشياء, ومن ضمنها الحراك الاجتماعي والسياسي, نظرة كما ينبغي أن يكون أو يجب أن يكون (ought) (أي تتضمن فعل الإستطاعة(can)) وليس كما هي (is) في الواقع, حيث الإشكالية بين ماهو كائن وما يجب أن يكون إشكالية فلسفية قديمة في فلسفة الأخلاق. إذن, ليس المهم هو النظام العلماني كفلسفة بذاته بدون إرتباطه بالديمقراطية كآلية للعمل وكفلسفة أيضا ً. فالنظام العلماني في ظل الديمقراطية, أي فصل السلطات, يضمن للكل ممارسة عقائدهم بعيدا ً عن إدارة الدولة والتي لابد أن تكون كإدارة أي مؤسسة أخرى, حيث تعتمد على العلم والمعرفة والتجربة من خلال مايسمى بالتكنوقراط.
ولكن, هل مسموح لرجل الدين أن يمارس السياسة! بالتأكيد نعم, فحق من حقوق أي مواطن هو المشاركة السياسية, بغض النظر عن عقيدته, ولكن, ليس بشروط المؤسسة الدينية بل بشروط الديمقراطية من خلال الإيمان بالتعددية وحرية التعبير وحرية الإعتقاد. إن هذا هو الضامن الوحيد لإنشاء مجتمع مدني قائم على روح المواطنة. فمن خلال الديمقراطية يمكن حتى للحزب الديني أن يمارس السياسة كباقي الإحزاب المسيحية في أوربا بشرط أن لايكون الخطاب الحزبي خطاب أصولي إستاصالي, بل يدخل الفضاء العام من خلال الحوار العقلي المتكافئ, كما يقول هابيرماس, أو حتى التنافسي, على حد قول نانسي فراسر, والقبول بالحد الأدنى من التوافق مع الفرقاء. هنا نحن أما علمانية لاتفصل الدين عن الدولة فحسب, بل تعيد تنظيم العلاقة بين الدين والدولة بطريقة تحفظ حقوق الأفراد والمجموعات بعيدا ً عن سطوة الدين والدولة معا ً. بهذه الشروط, هل يمكن أن يتوافق الدين الإسلامي مع العلمانية؟ هذا ما سأتناوله في المقال القادم.

عماد رسن

الاثنين، 27 يونيو 2011

السوق الكبير في الليل-مدينة الحلة-الصور بعدسة الفنان ناصر عساف





تسارع بناء ميناء مبارك بالصور



تسارع بناء ميناء مبارك بالصور
جريدة المستقبل العراقية العدد 56 في 20/6/2011
مستقبل العراقي- خاص:

كشفت صور التقطتها عدست (المستقبل العراقي) حجم التقدم السريع والكبير, الذي حققته الفرق الهندسية العاملة في موقع جزيرة «بوبيان», وتوضح الصور تمركز الرافعة المخصصة لدك الركائز في موقعها لتواصل عملها في تعزيز مقتربات السدة الحجرية في جزيرة بوبيان ، وتبين مدى تقدم منشآت ميناء مبارك ومدى اقترابها من القناة الملاحية الوحيدة المؤدية إلى ميناء أم قصر ، ما يعني عرقلة الحركة في الممر الملاحي الذي تسلكه السفن القادمة والمغادرة من وإلى الموانئ العراقية . كما تظهر الصور الحفارات البحرية العملاقة ، وهي من نوع الحفارات القاطعة الماصة ، وهي تباشر بعمليات الحفر والتعميق ونقل الأطيان والرمال المستخرجة من عمليات الحفر من قاع خور عبد الله ووضعها في الأماكن المراد ردمها لتحقيق المزيد من التوسع في الرقعة المخصصة لساحات الميناء ومقترباته:
واليكم التفاصيل:

في الصورة الأولى يظهر في الخلف ساحل جزيرة (بوبيان), واللسان الحجري الناتئ بزاوية قائمة من الخط الساحلي, لينتهي بواجهة حجرية مستعرضة على شكل حرف (T), وقد أخذت الرافعة المخصصة لدك الركائز موقعها, لتواصل عملها في تعزيز مقتربات السدة الحجرية, مع الأخذ بنظر الاعتبار أن الصورة التقطت من الخط الوسطي للقناة الملاحية الوحيدة المؤدية إلى ميناء أم قصر, ما يعطي المشاهد فكرة واضحة عن المسافة التي أحرزتها منشآت ميناء مبارك, ومدى تقدمها واقترابها من الممر الملاحي الذي تسلكه السفن القادمة والمغادرة من والى الموانئ العراقية.

في الصورة الثانية تظهر إحدى الحفارات البحرية العملاقة, وهي من نوع الحفارات القاطعة الماصة, وقد باشرت بعمليات الحفر والتعميق, وارتبطت بها الأنابيب المطاطية العائمة, المخصصة لنقل الأطيان والرمال المحفورة من قاع خور عبد الله, إلى الأماكن المراد ردمها, لتحقيق المزيد من التوسع في الرقعة المخصصة لساحات الميناء ومقترباته.

اما الصورة الثالثة, وهي الأهم, فتبين للمشاهد مقطعا من سياج السفينة التجارية التي التقطت الصورة أثناء سيرها في الخط الوسطي للممر الملاحي المؤدي إلى ميناء أم قصر, وتظهر في الصورة العوامة الملاحية رقم (16), وهي العوامة التي تحدد جوانب الطريق المائي الضيق, الذي ينبغي أن تسلكه السفن التجارية المتوجهة الى ميناء أم قصر, أو المغادرة منه, ويظهر في الصورة أيضا اللسان الحجري الذي يمثل الواجهة الداخلية لميناء مبارك في هذه المرحلة الابتدائية من التنفيذ, والتي يقال انها بلغت الآن (12%), وتبين الصورة كيف اقترب اللسان الحجري من الشريان الذي تتغذى منه الموانئ العراقية, بحيث أصبحت منشئات ميناء مبارك على حافة الممر الملاحي في هذه المرحلة المبكرة, فما بالك بما سيحصل من تجاوزات وانتهاكات ملاحية بعد استكمال المراحل النهائية للمشروع الكويتي, وما بالك بما ستتعرض له الرقعة المائية المتبقية للعراق من انكماشات وتقلصات خانقة بعد اكتمال بناء الأرصفة الكويتية, وما بالك بما سيحصل من تزاحم وتشابك في الحركة الملاحية في هذه المنطقة الضيقة بعد ازدياد كثافة السفن والزوارق المترددة على ميناء مبارك, واضطرارها للقيام بالمناورات الملاحية بالطول والعرض بحيث تتقطع مع مسارات السفن المتوجهة إلينا, من المؤكد انها لن تترك لنا شيئا, وستضيق علينا المسطحات المائية بما رحبت, ما ينذر بعواقب ملاحية واقتصادية وسيادية وجغرافية وخيمة, وما ينذر بوقوع حوادث ملاحية يصعب التكهن بنتائجها الكارثية وآثارها السلبية.
تتكلم جريدة (المستقبل) هنا بمنطق الخبرة الملاحية الميدانية, ونواصل الذود عن المياه الوطنية العراقية والإقليمية من باب الحرص على صيانة الحقوق الملاحية والبحرية, التي ينبغي عدم التفريط بها, أو المساومة عليها, ويتعين على الجهات المعنية بالأمر عدم الرضوخ للضغوط الدولية والإقليمية التي تسعى لتحويل العراق إلى دولة مغلقة بحريا, بعد أن كان سيدا للبحار والمحيطات, ويتعين علينا إبداء الرفض المطلق لتطبيقات القرار الجائر (833). وبخلاف ذلك سنخسر كل شيء, وسنصبح في غضون بضعة أعوام البلد العربي والآسيوي الوحيد المدرج على قائمة البلدان المغلقة والمحتجزة في اليابسة, وستختنق موانئنا وتضمحل تدريجياً, وسنفقد عمقنا السوقي في حوض الخليج العربي, الذي كان اسمه خليج البصرة. .