بحث هذه المدونة الإلكترونية

مرات مشاهدة الصفحة في الشهر الماضي

الجمعة، 5 أكتوبر 2012

أربع قصص للأطفال-د. بلقيس الدوسكي

سيرة د. بلقيس الدوسكي ـ
 ولدت في الموصل ـ العراق ـ أكملت دراستها الأولية في كلية الإدارة والاقتصاد ـ بغداد ـ بكالوريوس فنون مسرحية ـ كلية الفنون الجميلة ـ بغداد ـ ماجستير في الفنون المسرحية الكردية. ـ دكتوراه في الأدب والنقد المسرحي الكردي المعاصر. عضو في نقابة الصحفيين العراقيين/ عضو نقابة الفنانين بغداد وكردستان/ عضو اتحاد المسرحين العراقيين. ـ عملت في الصحافة، وفي التلفاز، وقدمت مجموعة من البرامج الفنية والأدبية. ـ أدت سلسلة من الأغنيات باللغة الكردية. ـ تدريسية في جامعة صلاح الدين ـ هولير/ اربيل. ـ لها مؤلفات منشورة في القصة والرواية والنقد المسرحي.....
-------------------------------------------------------





 وجه الحياة الأجمل
د. بلقيس الدوسكي
 قال الأب يخاطب ولده الشاطر: ـ نم يا ولدي، كفاك مطالعة، فالساعة أصبحت متأخرة من الليل. ـ أنا يا بابا، أريد ان أكون متفوقا ً، وفارسا ً في الصف. ـ أنا أشجعك على هذا التفكير، لكن عليك ان ترتاح الآن، ولا تجهد نفسك. ـ ولكن، يا بابا، يجب ان أحفظ دروسي، جيدا ً. ـ ابني العزيز، لا تتعب فكرك أكثر من طاقته.. ـ أنت يا بابا، الم تعدني بهدية عندما أكون متفوقا ً، وقد حصلت على درجات مميزة..؟ ـ ومازلت عند وعدي، ولكن ما هي الهدية التي تحب ان أقدمها إليك في يوم النجاح..؟ ـ باقة ورد لي، وفستان جميل لامي! ـ بكل سرور.. والآن نم، وتصبح على خير. استيقظ الابن صباحا ً وذهب إلى المغسلة لغسل وجهه، واستعمال الفرشاة لتنظيف أسنانه، فقد اعتاد ان ينظفها قبل الفطور، وبعده، وكذلك في أوقات الغداء، والعشاء. ثم حمل حقيبته المدرسية، ووضع فيها الكتب بحسب المنهاج المطلوب لذلك اليوم، وذهب إلى المدرسة. في البيت، قال الزوج لزوجته: ـ ولدنا يحتاج إلى كثير من العناية، ويجب ان نشجعه على هواية يهتم بها منذ الآن. ـ أنا أتمنى ان يكون طبيبا ً، أو محاميا ً، أو مهندسا ً.. ـ هوايته، منذ الآن، هي التي تحدد اختياره، ومستقبله. بعد الظهر، عاد ولدهما الموهوب، من المدرسة، وقال لهما: ـ اليوم فزت، فصفق لي زملائي الطلبة كافة، وشكرتني إدارة مدرستنا. ـ بماذا فزت يا ولدي ...؟ ـ أجبت على الأسئلة كافة، حول احترام الوالدين، وبناء المستقبل، وحب الوطن، والناس، وحماية الطبيعة، والنظافة، وعدم إيذاء الطيور، والحيوانات، ومساعدة الآخرين، لأنها جميعا ً صفات الطالب المجتهد. ـ أحسنت يا ولدي، أحسنت. وقالت أمه له: ـ قل لوالدك، يا ولدي الشاطر، أن لا ينسى الفستان الجديد، عندما تأتي بشهادة النجاح. ـ سأذكره عندما انجح في الامتحان، ولو انك ِ يا أماه تمتلكين العديد من الفساتين الجميلة! ـ وماذا تتمنى ان تكون مستقبلا ً يا ولدي..؟ ـ أتمنى لي، ولزملائي، النجاح بتفوق، أما أمنيتي الخاصة، يا أمي، فهي ان أرى بابا وماما وهما يصغيان إلي ّ وأنا قد أصبحت موسيقيا ً، واعزف ألحانا ً جميلة. فسألته: ـ وما اسم أول لحن ستعزفه لنا..؟ ـ اسمه: لعيون ماما وبابا. ـ يا ولدي الحبيب، لم اعد أفكر في الفستان، بل بالفن الذي اخترته، لأنه سر الحياة، وبهجتها.
 [هيا يا أطفال قريتنا]
 دخل نبيل على الرجال المجتمعين في دار والده وسلم عليهم، وظل واقفا ًوهو يستمع للحوار الجاري بينهم. احدهم ـ ان الشتاء على الأبواب، وعلينا ان نستفيد من أشجار القرية. الثاني ـ ماذا تقصد...؟ احدهم ـ ان نجعل منها حطبا ً للتدفئة وللطبخ. الثالث ـ لكن الأشجار مثمرة، وقد أكلنا الكثير من ثمارها. احدهم ـ ان برد الشتاء لا يرحم. الرابع ـ ماذا تقول يا أبا نبيل ..؟ ـ ارفض قطع الأشجار لسببين: الأول لفائدتها الغذائية، والثاني لأننا نستفيء بظلالها أيام الصيف. احدهم ـ ثم أنها بمثابة الرئة التي تجلب لنا الهواء النقي. الخامس ـ يبدو ان لنبيل رأي آخر، فلنستمع إليه. نبيل ـ إنكم اذا قررتم قطع الأشجار، تظلمون كل أطفال القرية، وأنا واحد منهم.. احدهم ـ كيف يا نبيل..؟ نبيل ـ أنسيتم إننا في الأعياد نجعل من الأشجار أراجيح لنا ونمرح تحت افيائها..؟ الثاني ـ صدقت يا نبيل. نبيل ـ والأشجار هي زينة قريتنا ومصدر غذاؤنا، والحكمة التي سمعتها من والدي تقول: ازرع ولا تقطع. احدهم ـ ولكن يا نبيل، علينا ان نحمي أطفالنا من البرد. نبيل ـ إننا الأطفال نجد متعة في اللعب بين الأشجار فلا تحرمونا منها. السادس ـ أنا أضم صوتي إلى صوت نبيل. آخر ـ وأنا أيضا ً. السابع ـ اذا ً،علينا ان نحافظ على أشجارنا، وأراجيح أطفالنا. آخر ـ بوركت يا نبيل. نبيل ـ اعتذر من أبي ومنكم، لأنني تدخلت في الموضوع بلا استئذان. احدهم ـ من حقك ان تتدخل يا نبيل، لأن لك ولأصدقائك أطفال القرية حصة في الأشجار. نبيل ـ ولأشجارنا حق علينا إن كنا كبارا ً أو صغارا ً، ان نرعاها ونسقيها ونشكر الله على ما تعطينا من ثمارها اللذيذة. احدهم ـ الحمد لله والشكر على نعمه. نبيل ـ وأقول، لو سمح لي أبي.. والده ـ قل يا نبيل. نبيل ـ شكرا يا أبي، الذي أقوله: النهر قريب جدا ً من قريتنا فلماذا لا نتعاون جميعا ً ونشق جدولا ً صغيرا ً نروي به أشجارنا..؟ احدهم ـ فكرة رائعة. الجميع ـ اذا ً، هيا بنا يا رجال قريتنا. نبيل ـ و ... هيا يا أطفال قريتنا نشترك في العمل.
[ملتقى العصافير]
 اليوم يا أصدقائي، هو يوم الجمعة، وقد اتفقنا بالأمس، على ان نقوم بسفرة إلى قضاء المدائن، في صباح هذا اليوم، وسيذهب معنا احد الإباء وإحدى الأمهات للحفاظ علينا. ولكن شرط ان يأخذ كل واحد منا موافقة ذويه، وان نشترك جميعا ً في شراء ما نحتاجه من طعام، أما العم أبو واثق فقد تبرع مشكورا ً بسيارته بلا مقابل. (تصفيق حار لأبي واثق) حضر الآباء والأمهات معلنين موافقتهم على مشاركة أولادهم بهذه السفرة الجميلة، ثم تحركت السيارة وبدأ الأطفال يغنون: بلادنا الجميلة ذات الهواء العليل أنهارها تجري عسلا ً أزهارها عطر القبل وملتقى العصافير في هذه الخميلة. وصلوا إلى المدائن وهم فرحين بهذه السفرة الجميلة، بعد ان ترجلوا من السيارة، فطلب أبو قمر منهم قائلا ً: ـ يا أبنائي الأعزاء، تجمعوا أمامي لأقول لكم كلمة مهمة. استجاب الجميع لطلبه واصطفوا جميعا ً أمامه. فقال لهم: ـ أنا سعيد جدا ً لأنكم اخترتموني في هذه السفرة كي أكون مشرفا ً عليكم ، ومعي عمتكم أم قمر أولا ً، وثانيا ً أرجو ان تحافظوا على النظام والهدوء والاحترام فيما بينكم. لأن الكثير من العوائل الكريمة التي جاءت من كل مكان لزيارة هذه المنطقة السياحية الرائعة ستراقب كل حركاتكم وسكناتكم فكونوا بالمستوى الذي يليق لتكسبوا إعجاب الآخرين. ـ ولكن يا عمنا أبا قمر، أليس من حقنا ان نغنى ونمرح ونرفه عن أنفسنا..؟ ـ من حقكم طبعا ً، ولكن ضمن إطار الذوق الرفيع، فالحياة حديقة واسعة وانتم زهورها وبلابلها. ـ شكرا ً يا عم، وما أحلى هذه السفرة. ـ ولكن يا أعزائي، هل تعرفون ما هي الأبعاد الأخرى لها ...؟ ـ ما هي ؟ ـ ليس المقصود من السفرة هو الترويح عن النفس فحسب، وإنما هناك ما هو الأهم .. ـ مثلا ً يا عم ..؟ ـ أولا ً، التعرف على تاريخ المنطقة، ومن سكنها، ولماذا أطلق عليها هذا الاسم، وما هي الأحداث التاريخية التي شهدتها، وغير ذلك من الأمور ، كي نعلم جميعا ً ان الغاية القصوى من السفرات هي المتعة والفائدة، والآن، لنختار المكان الذي تمارسون فيه ألعابكم والترفيه عن أنفسكم باللهو والغناء. ـ شكرا ً يا عمنا العزيز. ـ لا شكر على واجب يا أحبتي. ـ مكان جميل يا عم. ـ اذا ً، أعطوا لعمتكم أم قمر كل ما لديكم من متاع لتهيئ لكم وجبة الغداء. ـ شكرا ً لعمتنا أم قمر. ـ تذكروا ان المنطقة غاصة بالعوائل وأطفالها، فلا يبتعد أحدكم عن الآخر ويضيع في غمرة الزحام، ويتعبنا في البحث عنه. ـ أمرك مطاع يا عم. بدأ الأطفال يغنون الأغاني الأصيلة التي تدعو إلى الآلفة والمحبة والتعاون واحترام الوالدين وعشق الطبيعة والأرض، حتى تجمع أطفال العوائل الأخرى من حولهم وشاركوهم هذه الاحتفالية الممتعة. لقد جلبوا أنظار كل العوائل ونالوا استحسان الجميع وإعجابهم، ثم مثلوا مسرحية بعنوان (أحفاد الربيع) فأجادوا بأدوارهم، بعد ان صفق الجميع لهم. ثم اصطحبهم أبو قمر في جولة في أرجاء المنطقة وراح يروي لهم تاريخها وأحداثها وكل ما يتعلق بماضيها، فكانت سفرة ترفيهية وثقافية زودتهم بمعلومات لم تكن في حسبانهم. وبعد تجوالهم عادوا فوجدوا أم قمر وقد أعدت لهم وجبة الغداء، ثم جمعوا حاجاتهم، وعادوا وهم يرددون الأغنية الأولى نفسها، فقال أبو قمر لهم: ـ هنيئا ً لكم هذا الفرح، والى سفرات أكثر جمالا ً، وإمتاعا ً.
 [قناديل العلم وفرسانه]
 كانت المنطقة تقع بين ربوع الطبيعة الخلابة، التي تحيط بها مزرعة للجميع، غربا ً، وبين النهر الواسع شمالا ً، والذي كان يبعث على السرور هو ان كل العوائل تعد نفسها أسرة واحدة يسودها الوئام والوفاء، فالكل يهتمون بنظافة أطفالهم، ويساعدونهم على حفظ دروسهم، إضافة إلى المحاضرات التربوية التي تلقى عليهم بين افياء المزرعة التي تهتم برعايتها وسقايتها العوائل تلك. كان الأطفال يفضلون لعبة كرة القدم، وهي هوايتهم المفضلة بعد عودتهم من المدرسة، وفي كل يوم يتبرع احد الآباء ليكون الحكم الذي يدير اللعبة. وفي ذات يوم رفض الأطفال باتفاق الآراء ان يلعب معهم سمير إلا بشرط، سأل الحكم: ـ وما هو هذا الشرط..؟ ـ لأنه خالف أمر والدته، ووالده، ولم يذهب إلى المدرسة. ـ لا .. هذا أمر لا نشجع عليه، ولكن ما هو الشرط ..؟ ـ ان يعتذر من والده ووالدته، ويصطحبهما إلى الملعب، كي نوافق على لعبه معنا اذا طلبوا ذلك منا. اقترب الحكم من سمير واخبره بمضمون الشرط، فهرول سمير إلى البيت، وقبل والدته ووالده، واعتذر منهما، واصطحبهما إلى الملعب، فقال والده يخاطب الجميع: ـ أحبتي، أطفال منطقتنا الجميلة، يتقدم سمير بالاعتذار، وبعدم تكرار خطأه، فسامحوه، واسمحوا له ان يلعب معكم، وشكرا ً لمشاعركم النبيلة. هرول سمير إلى ساحة الملعب، شاعرا ً بالندم، ثم سمحوا له باللعب. كان الحكم يتوسط الساحة، ويدير اللعبة بكل حكمة ودراية وثقة، وقد لاحظ بعض السلبيات خلال الشوطين، الأول والثاني، فدونها وسلمها إلى مدربي الفريقين، ثم انتهت المباراة بهدفين لفريق الطبيعة، وبهدف واحد لفريق العصافير. اجتمع كل مدرب بفريقه وراح يوضح له مؤشرات وملاحظات الحكم، ومنها الابتعاد عن الخشونة، والالتزام الكامل بقانون اللعبة، والتسامح عند التصادم، أو عند سقوط احدهم من الفريق الآخر، والمواظبة على إتمام الواجبات المدرسية، واحترام الوالدين، وإطاعتهما، وتجنب الخصومة فيما بينهم، والابتعاد عن النفاق، والأنانية. فقال احدهم: ـ نريد يوما ً خاصا ً للسباحة. ـ على ان يخصص للذين يجيدون السباحة، أما الذين لا يجيدونها، فليتعلموا السباحة أولا ً، في الجدول الصغير، وبعدها نسمح له بالسباحة في النهر الكبير. وبالمناسبة أقول لعمي أبو سمير، من الضروري جدا ً ان يذهب ولده معه إلى إدارة المدرسة ويعتذر عن غياب ولده سمير، وعلى آبائنا الأفاضل ان يكونوا الظهير المساند للمعلمين الأفاضل في توعية الأطفال وإرشادهم، وان يكون البيت هو المدرسة الثانية. هتف الجميع: ـ عاش العلم، عاش المعلم؟ وقال الآباء: ـ أطفالنا في عيون المستقبل، هم قناديل العلم وفرسانه. درت في أكثر من ثلاثين كتابا ً.
-------------------------------------------------------------------------------------

ليست هناك تعليقات: