بحث هذه المدونة الإلكترونية

مرات مشاهدة الصفحة في الشهر الماضي

الأربعاء، 19 ديسمبر 2012

لميعة الجواري-من الطبيعة إلى التجريد- عادل كامل



معارض بغداد
لميعة الجواري
من الطبيعة إلى التجريد
   



 عادل كامل
   هل تحلت لميعة الجواري بذلك الانشغال الذي جعلها تعمل في مواجهة العنصر الذي لا يقهر، أم إنها، لم تجد شجاعتها إلا وكأنها غير مكترثة للنتائج...؟
   مادمت اكتب لإثارة أسئلة جديرة ان لا تهمل، كسؤال: هل هذا المنجز التشكيلي يقع تحت عنوان: فن، وهو لم ينتج إلا في مجالات محدودة، وأثره، في الغالب، لن يقهر زمن الحداثات ـ وما بعدها ...

   يقينا ً لم تغب الذاكرة عن تذكر جهود فنانات رسخّن دور الفن بصفته احد أنماط السلوك التداولي للعلامات الجمالية، من المعمار إلى بناء المدن إلى أدق مكونات البيت، وهن يسترجعن ويثبتن، بشجاعة، تقاليد عصور سابقة على الفن، بما هو عليه اليوم، فضلا ً عن مواجهتهن لمعضلات العادات، ومحاولتهن التمسك بتعددية تقهر عوامل القهر، ليس جنسانيا ً، بالمعنى المتداول، بل لأن (الأنثوي) إن تعرض للقهر، وخلل التوازن، فان سلطة الآخر، كما برهن تاريخ الاشتباك، ستتعرض للهدم، أو تغدو أحادية، وتسلطية.
     فأين يمكن وضع تجربة الفنانة لميعة الجواري التي دأبت على المشاركة، والدراسة، منذ عقدين، في الأقل، في هذه الخارطة الزاخرة بأسماء رائدات، وأسماء كبيرة، وأخرى وجدن في الفن، كما وجدها الآخر، دعامة لوجود له هيمنته، ومظاهره، حتى لو كانت وهمية، ومخادعة ..؟
   فإذا كانت لميعة الجواري قد بدأت حياتها بالحصول على دبلوم فنون تطبيقية ـ قسم التصميم، فإنها ستدرس الرسم، وتحصل على بكالوريوس رسم، ثم، لتكمل دراستها في الرسم، وتحصل على الماجستير في الجامعة (البريطانية)، وماجستير في طرائق التدريس، إلى جانب إقامتها لثلاثة معارض شخصية، ومشاركات في المعارض الجماعية، منذ العام 1992، وحتى يومنا هذا: 2012.
   بمعنى إنها لم ترسم كهواية، أو للفت النظر، أو لسد ساعات الفراغ، مع ان أعظم التجارب تضمنت تلك العوامل، إنما، منذ تجاربها برسم الطبيعة، والموضوعات الاجتماعية، والإنسانية، ومنها ما يخص المرأة، والطفولة، ستكرس معرضها الثالث الذي حمل عنوان [المرأة وعاء الكون] أسلوبا ً جاء ثمرة اختزال دفعها إلى ضرب من التجريد ـ الرمزي، للتعبير عن عاطفتها إزاء عالم تتداخل فيه القيم، والمعايير، والثوابت، حد ان نصوصها الكرافيكية ستحمل طابع اللقى، أو العملة القديمة، أو الأثر الذي توارت داخله عوامل الاشتباك، وما سيشكل تحولا ً للعلامات الواقعية، والمشخصة، إلى ما يشبه الإيماءات، والإشارات، والرنين، وما يقترب من تصوير البقايا، والمخلفات التي تعرضت للحذف، والتشذيب، أو المحو ...الخ، ففي هذه التجربة ـ كما كتب صلاح عباس: تلميحات " عن الحالات المختلفة وربما تتضمن مرموزات عن القضايا العامة الكبيرة كالوطن والخصب والحب المتعالي والأمومة والتواصل. بيد ان المرأة لدى لميعة الجواري جاءتنا باعتبارها نزوعا ً ذاتويا ً معبرا ً عن فرديتها، فثمة شعور قاس بالغربة والعزلة بدلالة وجود امرأة وحيدة ويكتنفها شعور طاغ بالحزن..." مما منحه ان يقول بان مشروعها " يجيء كعلامة فارقة في خارطة الفن التشكيلي النسوي في العراق، ذلك لأنها مستوفية لأغراضها الأدائية والتقنية المعززة بالفهم لمعنى الفنون التعبيرية المعمول عليها في العالم"* وليس باستطاعة زميلي صلاح عباس ـ وهو فنان ومشتغل في الحقل التشكيلي ـ ان يذهب ابعد من الإشارة بتجربة فنانة حرصت ان تعمل وتبني تجربتها معرفيا ً، مع زميلات لها، يشتركن معها بالتعبير عن هموم حقيقية توجه المرأة ـ والمجتمع بأسره ـ رغم ان خرائط الفن لم تعد تعمل إلا بتقاليد القرن التاسع عشر، أو فاتحة القرن العشرين ـ في بلدان تبلغ نسبة الأمية إلى ثلث السكان، وتبلغ ساعات عمل الموظف الحكومي 10 دقائق في اليوم، مع 6  دقائق قراءة للفرد خلال العام الواحد، وفي بلدان تواجه صراعات غير مسبوقة حول الموارد، والخسائر البشرية الباهظة، ونهب منظم للكنوز، سببت بهجرة غير مسبوقة أيضا ً، وبتراجع للتنمية، والأمن الاجتماعي ..الخ، ان فنانة تمتلك هذا الموقف لا تتشبث بوهم الاعتراض على تراجع المعايير الجمالية ـ والثقافية، بل، على العكس، تؤكد أهميتها في عالم ينبني وفق التعددية/ وحريات التعبير، وضمانات العمل بشرعية القوانين..الخ، عبر اختيارها للخطاب التشكيلي، كخطاب تحقق عبره ذاتيتها، وحرية مخيالها، تربويا ً، وجماليا ً، ضمن ما يواجهه مجتمعها من تحولات، ومتغيرات، وتصدعات تتطلب الكثير كي ينتقل إلى العصر الذي ينتج فيه الإنسان حريته ـ وليس ان يستهلك أوهامها، ينتجها في مواجه استيراد الأفكار ـ ضمن سياق استيراد90% من السلع الأساسية لضروريات الحياة اليومية.
    وسيقال: وما علاقة هذا بـ (الكتابة الفنية)...، فأقول: لقد سبق لي ان أكدت أنني لا اكتب للنخب التي تعيش في كوكب آخر، ضمن خطابها الفخم والأنيق والأحادي، بل أشيد بجهود شجاعة في مواجهة حتميات يبدو أنها غير قابلة للقهر!
___________________________________________________-
* المعرض الشخصي الثالث/ وزارة الثقافة/ دائرة الفنون ـ 2012 ـ المقدمة كتبها صلاح عباس.


 *لميعة الجواري

ـ ولدت في بغداد. ـ دبلوم فنون تطبيقية قسم التصميم.ـ بكالوريوس فنون جميلة قسم الرسم. ـ ماجستير فنون تشكيلية قسم الرسم/ الجامعة البريطانية. ـ ماجستير تربية فنية/ طرائق تدريس. تعمل في وزارة الثقافة/ دائرة الفنون. وعضو في جمعية ونقابة الفنانين العراقيين، ورابطة الفنانات التشكيليات، وكهرمانة للفنون التشكيلية. ـ المعرض الشخصي الأول/ قاعة التحرير ـ بغداد 1992. والثاني في عمان 2001، والثالث في بغداد 2012. كما شاركت في المعارض المقامة على قاعات دائرة الفنون منذ العام 1986 وحتى اليوم. لها مشاركات في المعارض الدولية، وحازت على عدد من الجوائز والشهادات التقديرية.


ليست هناك تعليقات: