بحث هذه المدونة الإلكترونية

مرات مشاهدة الصفحة في الشهر الماضي

الأربعاء، 19 ديسمبر 2012

د.شوقي الموسوي-فنان وناقد تشكيلي-4× حوار




4× حوار
 د.شوقي الموسوي
فنان وناقد تشكيلي
    ثمة شراكة حداثوية في انتاج النص البصري بين مؤلف النص (الفنان) ومفسره (المتلقي) ساعدت على اعادة انتاج المعنى .. فتعددت التأويلات بفعل تعددية القراءات لحظة الاشتباك مع النص التشكيلي ...؛ حيث نجد ان هذه الشراكة اعتمدت على قدرة الفنان العراقي على وجه الخصوص على الابتكار ومن ثم الابداع فضلاً على قابلية وفاعلية المتلقي على تفكيك وتركيب المعنى وإعادة صياغته وفق مايمتلكه من تراكمات الامس معرفية كانت ام بصرية ،لأجل استرداد المعنى الغائب . هذه التعددية في القراءات وجدناها حاضرة في معرض أربعة فنانين عراقيين ينتمون الى جيل واحد ، جمعتهم قاعة حوار ببغداد (2012) فقدموا تجارهم المحتفلة بالشحنات العاطفية الذي احتواها فضاء معاصر اعتمد الرؤية الذاتية في طرح الافكار فتعددت الامكنة وتكاثرت الأزمنة  وتوحدت موضوعياً بحدود تداعيات الجسد والانفلات من المعاني الظاهرة باتجاه الاعماق .
أسامة حسن : ملامح وأقنعة
      حيث تمسك الفنان أسامة حسن بطاقات اللون الرمزية في تجربته الاخيرة في المعرض عندما التزم بتأكيد الايقاع الحركي في بنية التكوين العام لأجساده الحالمة لأغلب مشاهده التصويرية المحتفلة بالتعبير والتعبيرية على حساب التقرير أو التشبيه .. فنلاحظ ان الجسد بشكل عام وملامح وجوهه بشكل خاص قد هيمن على تجربة الفنان ؛ اذ تم استنطاق الصمت اشارياً والبوح عن المسكوت عنه ، فانتج تكوينات محتفلة بالرومانسية والتعبيرية ذات النزعة الانسانية الخالصة ، تترجم المعاني والقيم الانسانية الجوهرية القابعة خلف الاقنعة الى ملامح دراماتيكية ترفض النسيان . هذه التراكيب الوجدانية التي يتجاور بها الرجل مع المرأة في جسد واحد في أغلب اعمال الفنان أسامة حسن وجدناها قد أعطت ثمارها في البوح بالذكريات البكرية وبمختلف الابعاد السايكولوجية (الحب – الخوف – العشق – الحياة – الموت – الامل ..) للكشف عن الاسرار والمشاعر المؤجلة التي تؤكد الامساك بالفكرة او القيمة الجمالية لمعنى الوجدان بعيداً عن تأثيث الجسد المادي لانتاج فضاءات رحبة للآخر تسيح به الى مناطق الاعماق .
حيدر صدام : اشارات الجسد بين التجريد والتعبير :
      بعيداً عن التفسيرات المباشرة نجد الفنان حيدر صدام في تجربته الاخيرة في قاعة حوار قد انتج أسئلته النبيلة التي امتلكت مشروعيتها جمالياً  في اللحظة المعاصرة ، محاولاً استنطاق أجساده زمانياً  عندما احتكم الى التجريد والتعبير والترميز لترسيخ مبدأ الشفافية في الحوار مع الآخر والمنطلقة بفعل التسطيح والتحزيز والتلصيق والتخريم والتكثيف في اللون والخط على المستوى التقني والاظهاري من أجل تشييد جماليات ذات دلالات رمزية تمتلك خصائص حضورها فتكشف عن الاعماق . الفنان حيدر صدام بانتهاجه الاسلوب التعبيري التجريدي وجدناه قد عمق أفكاره المثالية الى حد ما والتي أطاحت بقوانين المرئي المادي المحتفظ بالتفاصيل منذ ادراكه لوحدة التعبير فنلاحظ ان موضوعة الجسد العاري (رجل وامرأة) ذات الطابع الحركي (الرقص) قد تسيدت في تجربته المتأخرة ؛ حيث حاول التعبير عنها رمزياً من خلال تسطيحها لاجل تطهيرها من اللواحق المادية للتعبير عن الحالات الوجدانية المحتفلة ايضاً بالرومانسية التي تخرج من الشيئية باتجاه الشمولية .فالفنان حيدر سعى الى تبسيط مشاهده بقصدية واعية تتبنى مهمة توسيع النظام العلاماتي المتمرحل بالذاكرة البكرية من الطبيعي الى المجرد ..كمحاولة من قبل الفنان الى اضفاء بعض اشارات المثال والمثالية على مرئياته المفعمة بالحركة بحثاً عن الحريات .
زياد جسام :طقوس وانطباعات وجدانية 
    ثمة خطاب رومانسي واضح المعالم في تجربة الفنان زياد جسام قد تواجدت بقوة في المعرض ، منح الآخر صوراً للروح بفعل تداخل فعل الانطباع مع التعبير ، فأكسب مشاهده قيماً جمالية تعتمد تشكيل فضاءات لونية هارمونية تحتضن الاجساد المتعانقة (رجل وامرأة) بفعل لحظة القـُبلة التي وجدناها تتكرر فتخترق الافكار وجدانياً  فيتم احالة المُعلن (الايقون) المتمثل بالاجساد الى قيمة وجدانية تستنشق حالة الوجد والهيام وبعض من الفرح برغم الاحتلال !! فتلامس الروح هذه اللحظات فترتقي بالوجدان الى مستويات الوطن .هذه الغنائية التي استعان بها الفنان زياد جسام في تأثيث تكويناته قد امتلكت عفويتها أدائياً وجمالياً وثقافياً فيصبح الجسد هنا الوسيط الذي يحوي الانفعالات باعتباره جسداً انفعالياً متفاعلاً برمته مع المحيط بحثاً عن لحظة التوازن ؛على اعتبار ان الفنان قد تيقن بان حواس الجسد تتجه بالذهن الى المحيط الخارجي لأجل الشعور بالحالة الوجدانية التي تدرك وجودها لحظة الوجد .فالفنان في هذه التجربة قد اطلق العنان لمخيلته بحثاً عن التكوينات التي تمارس طقوسها لمقاومة الصمت الذي يحيط به .
مراد ابراهيم : ذاكرة المدينة
     تمحورت تكوينات الفنان مراد ابراهيم حول الاحتفال بمرئيات الرؤية ذات الصلة الحميمية بالواقع المعاصر ليصبح الفن لديه بمثابة ذاكرة توثيقية تمتلك مشروعيتها في الحضور ، تقترب من مظاهر التمثل الذي يًناهض القطيعة مع الطبيعي او الثقافي بالرغم من تمسكه بفعل الاختزال والتبسيط في بعض فضاءات اشكاله التصويرية ... إلا انه حافظ على ملامح مرئياته (تفاصيل) ولكن بتعبيرية حالمة ترصد افكار الواقع فتمنح اعماله انتقادات للآخر الداخلي الذي يعبث بعالمه الجميل بفعل الاحتلال .الفنان هنا وجدناه قد استغرق في الذكريات كامتداد لذاته المعاصرة منحت تكويناته طاقات التعبير وجماليات الانطباع التي تهتم بمفردات الواقع والطبيعة الجغرافية المحيطية (مدن – أزقة – شناشيل – اسواق بغدادية – طرق مزدحمة – أجساد – وسائط نقل – طبيعة ...) التي لاتغادر أمكنتها وأزمنتها الواقعية المرتبطة بمدينته العصرية (بغداد) ، محتفلة بالنزعة الانسانية التي وجدناها حاضرة في أغلب مشاهده التصويرية تعمل على ايصال خطابها الذي يرفض النسيان .
    من خلال هذا المعرض الذي احتوى اربعة تجارب في فن الرسم ، اشتركت في الاستعانة باليات وجماليات التعبير في حدود موضوعة الجسد كذاكرة وكثقافة عصر جديد ، نجدها مشحونة بطاقات اللون الرمزية التي استحوذت على المشهد العام للمعرض باتجاه المعاني الوجدانية المحتفلة بالجوهر والمنبثقة من تصورات الفنانين للواقع الانساني مابعد الحرب والمقترن بالقيم المستورة وراء المرئيات والتي تمسكت بمفهوم الحرية في طرح الافكار بحثاً عن الاطياف .
   

ليست هناك تعليقات: