بحث هذه المدونة الإلكترونية

مرات مشاهدة الصفحة في الشهر الماضي

السبت، 15 مارس 2014

قتال من أجل فردة نعال-كاظم فنجان الحمامي


قتال من أجل فردة نعال


كاظم فنجان الحمامي

مرة أخرى تتفجر المعارك العشائرية الطاحنة بين القبائل العراقية لأسباب تافهة لا تخطر على بال الهنود الحمر, ولا على بال قبائل البالوبا, تارة تتفجر بسبب مصرع بقرة في حادث مروري غير مقصود على الطريق السريع, فتنطلق المدافع الرشاشة حزناً وألماً على فراق البقرة النافقة, ويتساقط القتلى بالعشرات, وتارة تتفجر المعارك بسبب الخلاف على نوعية علبة سجائر, أو بسبب فقدان (حمامة) من أقفاص أحد المطيرجية, فترتفع الرايات, وتتعالى الأصوات, وتصدح الحناجر بالأهازيج الحماسية المحرضة على سفك الدماء, وتتكرر الصولات والغارات.
أما أكثر المعارك غرابة, فهي المعركة المخزية, التي دارت رحاها جنوب العراق في ثمانينات القرن الماضي بين عشيرتين متجاورتين بسبب ضياع فردة نعال في حفلة زفاف.
ربما لا تصدقون أن عشرات الأرواح البريئة راحت, في يوم من الأيام, ضحية لضياع فردة نعال واحدة من النوع الرخيص, فاندلعت المجازر العشوائية الدامية, واستمرت لأسابيع وأيام, ولم تنطفئ جذوتها إلا بعد تدخل كتائب الفيلق الثالث بقوتها الضاربة.
نحن الآن في الأشهر الربيعية من عام 2014, ولم تتغير توجهات الصراع العشائري بصورتها المؤسفة, لكنها على العكس تماماً, فقد تجددت هذه الأيام في مناطق متفرقة باشتباكات عنيفة, استعملت فيها الهاونات والقاذفات والرشاشات الثقيلة والرمانات اليدوية, حتى قيل أنها خرجت عن مسارات الحكمة والتعقل, خصوصا بعد قيام مجاميع عشائرية مسلحة بقطع الطرق وقراءة هويات ركاب السيارات بحثاً عن أفراد من القبيلة الخصم لغرض قتلهم والتمثيل بجثثهم.
لسنا هنا بصدد استعراض الوقائع الدامية, التي ارتكبتها عشائرنا, لكننا نوجه أصابع الاتهامات إلى الدولة العراقية, التي دأبت منذ عام 1920 وحتى يومنا هذا على تشجيع هذه العشائر, وتعزيز قوتها, وذلك من خلال تبنيها لسلسلة من الإجراءات الارتجالية والأساليب المغلوطة والممارسات الخاطئة, تمثلت بمنح تراخيص حيازة الأسلحة الثقيلة, وتكريم أبناء العشائر بكميات هائلة من الأسلحة والذخيرة الحية, وعدم التعامل بجدية في التحري عن مصادر التسليح والتسلح, وتفضيل رؤساء القبائل والعشائر والأفخاذ على أصحاب الكفاءات العلمية العليا, والتغاضي عن تجاوزاتهم وانتهاكاتهم العشائرية المتواصلة, وترجيح الأعراف العشائرية المزاجية على الأحكام القضائية الشرعية, فتوزعت عندنا الحقوق بين حق الدولة (الحق العام) وحق العشيرة, ما يعني خضوع المجتمع العراقي برمته لنظام (السمكة الكبيرة تأكل السمكة الصغيرة), ويا أهل يثرب لا مقام لكم بها.
والأنكى من ذلك كله أن المرشحين للانتخابات المحلية والبرلمانية يلجئون في مواسم الانتخابات إلى نيل التأييد والدعم والمؤازرة من العشائر القوية, ما يعني خضوع تشكيلة الدولة بصيغتها (الديمقراطية) المستقبلية لإرادة العشائر المستبدة, وهذا يفسر حجم الفوائد الجمة, التي جنتها عشائر بعض الوزراء, وتفوقها على العشائر التي لم تنجب وزيراً بعد. من هنا انحرفت مؤشرات الولاء لشجرة النسب, واتسعت دائرة المنافع القبلية تحت شعار: (الشجرة التي لا تفيء على أهلها تستحق القطع). أما نحن أبناء الملحة, الذين لا نمتلك شجيرة واحدة نستظل بظلها, فلا مكان لنا في هذه الغابة, التي صارت تعج اليوم بالكواسر الممعنة في القبلية, والمؤمنة بمسوغات المناصرة العشائرية, التي صدح بها (المازني) بأرجوزته الداعية للتعصب القبلي والجهل والاعوجاج, بقوله:
وَلِي فَرَسٌ لِلْحِلْمِ بِالْحِلْمِ مُلْجَمٌ
وَلِي فَرَسٌ لِلْجَهْلِ بِالْجَهْلِ مُسْرَجُ
فَمَنْ شَاءَ تَقْوِيمِي فَإِنِّي مُقَوَّمٌ
وَمَنْ شَاءَ تَعْوِيجِي فَإِنِّي مُعَوَّجُ
وَمَا كُنْتُ أَرْضَى الْجَهْلَ خِدْنًا وَلَا أَخًا
ولَكِنَّنِي أَرْضَى بِهِ حِينَ أُحْوَجُ
والله يستر من الجايات

ليست هناك تعليقات: