بحث هذه المدونة الإلكترونية

مرات مشاهدة الصفحة في الشهر الماضي

الأحد، 6 يوليو 2014

همنجواي في الحلة-أحمد الحلي- 3

كتاب في حلقات

همنجواي في الحلة
                              3                                                 
أحمد الحلي
لا للتدخين
* وسط ظروف غير مواتية من الناحية الاجتماعية والاقتصادية ، وبعد أن رأى مضار تفشي ظاهرة التدخين بين أوساط الناس ،  قاد في العام 2000 والأعوام التي تلته حملة شعواء  ضد التدخين وأسس منظمة باسم (لا للتدخين) وكان شعارها ؛ (السكائر من صنع الشيطان ، اسحقها .. اسحقها أيها الإنسان) ، وشرع بطبع بوسترات ملونة بهذا الاتجاه ، وقام بنفسه  بإلصاقها فوق عدد من الواجهات المهمة بمدينة الحلة ، وكان نتيجة هذه الحملة ان اقلع عشرات المدخنين عن التدخين .
ومن أجل ذلك فقد شاعت في أوساط الناس عنه صورة المناوئ والخصم اللدود لظاهرة التدخين ، وهناك عددٌ من الحكايات التي تم تداولها ، نختار من بينها ؛
1
* في أحد الأيام قبيل الاجتياح الأمريكي للعراق في العام 2003 ، وبعد حوالي ثلاثة أيام من القرار المتعجل الذي اتخذه النظام والقاضي إطلاق سراح جميع المعتقلين والمدانين بجرائم مختلفة ، وفيما هو يجلس في مقعده داخل سيارة مزدحمة بالركاب تسير وسط العاصمة بغداد ، إذ وجد نفسه يجلس قبالة شخص يدخن بشراهة ، اغتاظ في بادئ الأمر ، وحاول أن يكتم غضبه ، ثم التمس من المدخن أن يطفئ سيجارته مدّعياً أنه مريض بالربو ، إلا أن المدخن لم يأبه للأمر ، وواصل التدخين بلذة ونشوة أكثر من السابق ، فلم يجد من سبيل أمامه إلا أن يُعلن عن سورة غضبه ، مادّاً يده الى حقيبته فاتحاً إياها بعنف قائلاً بصوته الأجش المزمجر ؛ ها أنتم تجبروننا على العودة الى السجن ثانية بعد أن تم إخراجنا منه ! ساور الركاب إحساسٌ بأنهم بإزاء مجرم خطير،  وظنوه يحاول أن يستخرج سكيناً أو خنجراً ، فأصيبوا بالخوف والهلع، وأخذوا يتوسلون إليه أن لا يفعل شيئاً ، أما بالنسبة الى الشخص المدخن ، فقد إنهار تماماً ، وأخرج علبة سجائره من جيبه وسحقها بقدمه عند أقدام ( أبي رياض) في محاولة لاسترضائه وإطفاء سورة غضبه .
2
*إعتاد الناس أن يروه إبان مرحلة السبعينيات والثمانينيات وهو يقود باص الركاب التابع لمصلحة نقل الركاب في مدينة الحلة ، ناقلاً إياهم من مركز المحافظة الى النواحي والأقضية والقصبات التابعة للمدينة وبالعكس ، وكان هو لا يتورع عن تطبيق قانونه الصارم بشأن التدخين في حافلته التي كان يعتني بها اعتناءً شديداً ، وفي أحد الصباحات صادف أن شغل المقعدين اللذين يقعان خلفه مباشرة أحدُ شيوخ العشائر وشخصٌ آخر كان بصحبته ، وما إن تحركت السيارة مسافة قليلة حتى استخرج الشيخ علبة سجائره المطرزة بخيوط حريرية ملونة ، مقدماً سيجارة لرفيقه ، وأخذ الاثنان يدخنان بنهم ولذة ، نظر الى سحب الدخان التي أخذت تتشكل فوق رأسه فتراءت له على هيئة غيلان ووحوش تحاول الانقضاض عليه ، ألقى نظرة في المرآة الى الشيخ الذي سمع به كثيراً ، فوجده أشبه بطائر   (الفسيفس) حين ينفش ريشه استعداداً للتزاوج  ، وساوره إحساس ٌ بأن هذا الشيخ ربما يظن أنه جالس ٌ في هذه اللحظة في صدر مضيفه ، خفف من سرعة السيارة وخاطب الشيخ بصوت مسموع ؛ هل تسمح لي أيها الشيخ الموقر أن أطلب منك شيئاً ؟ انتبه هذا إليه ؛ نعم تفضل ، وظن في بادئ الأمر أنه يطلب منه سيجارة ، فأستخرج علبة السجائر وناوله واحدة منها ، قال أبو رياض ؛ عذراً أيها الشيخ ، فأنا لا أدخن ، وأن الذي أرجوه منك هو أن تكف عن التدخين أنت وصاحبك ! اغتاظ الشيخ للهجة الصارمة الآمرة التي يخاطبه بها هذا السائق الحكومي الذي ربما لم يعرف سطوته جيداً  ، قال له هازئاً ؛ ومن أين لك السلطة في منعي من التدخين ؟
ـ هذه حافلتي وإن تكن سيارة حكومية ، وأنا اعتدت أن أطبق هنا قوانيني !
-       وأنا أقول لك بكل بساطة ؛ يؤسفني أنني لا أحترم قوانينك ، فما الذي بوسعك أن تفعله ؟
لم يفعل شيئاً ، وإنما قلل من سرعة الباص الذي كان يقل موظفين يرومون الوصول الى دوائرهم في الوقت المحدد ، فتصايح هؤلاء ؛ ما الأمر ؟
قال أبو رياض مخاطباً الشيخ ؛
ـ ألا ترى ؟ إن هؤلاء سلاحي !
أصر الشيخ على موقفه وتملكته سورة الغضب ، عند هذه النقطة ، أوقف صاحبنا السيارة تماماً وركنها الى جانب الطريق ، ظن باقي الركاب أن ثمة عطلاً أصاب السيارة فظهر منهم التذمر والاستياء ، قال أبو رياض مخاطباً الجميع ؛ اطمئنوا فليس في السيارة سوى عطل واحد هو هذا الشخص الجالس خلفي ، والذي يُصر على الاستمرار في تدخين سجائره المقيتة ، وفي هذه الحالة ، وكما تعرفون ، فلن أدع السيارة تتحرك شبراً واحدا ً ما لم يكف هو تماماً عن التدخين ،
وبأسرع من لمح البصر تحول غضب الركاب الى الشيخ الذي وجد نفسه في موقف لا يُحسَد عليه ، هذا يصيح به ، وذاك ينهره ، وكاد أحدهم أن ينهال عليه بالضرب ، فتدخل في اللحظة المناسبة ، قائلاً للشيخ بحزم ؛ والآن من فضلك أعطني علبة السجائر، فأعطاها إياه وهو لم يَكدْ يُفيق بعدُ من ذهوله وارتباكه ، فأخرج السجائر منها وطرحها أرضاً وأخذ يسحقها بحذائه ، ثم أعاد إليه العلبة الثمينة فارغة ،  وإزاء هذا الموقف ، لم يجد الشيخ المغلوب على أمره  من سبيل أمامه للخروج من هذا المأزق سوى أن قدم اعتذاره  له ولباقي الركاب مصرحاً أمام الجميع ، أنه ومنذ هذه اللحظة قرر التوقف عن التدخين ، رامياً العلبة الفارغة الثمينة من نافذة الباص دونما أسف .
3
يذكر المقربون منه ، أنه عمد إلى استعمال طرائق متعددة في مكافحة ظاهرة التدخين ، ولا سيما في حافلته  هذه ، ومن ضمنها أنه أشاع لدى ركابه الذين إعتاد أن يراهم كل يوم في رحلة ذهابهم وإيابهم الى دوائرهم الحكومية ، أن سيارته تم تزويدها مؤخراً بجهاز الكتروني ياباني لدى خلاياه حساسية قوية من الدخان المتصاعد من السجائر ، الأمر الذي يؤدي أن يبطئ الباص من سرعته تلقائياً ، وكان الركاب يتساءلون فيما بينهم بين مصدّق ومكذب ؛ هل حقاً يوجد هكذا جهاز ؟
              
                           
                 


ليست هناك تعليقات: