بحث هذه المدونة الإلكترونية

مرات مشاهدة الصفحة في الشهر الماضي

السبت، 12 يوليو 2014

همنجواي في الحلة(8)-مرسوم رئاسي

كتاب في حلقات
همنجواي في الحلة(8)

مرسوم رئاسي
أحمد الحلي
من بين الأمور التي اهتم بها ، تربية البلابل وما يزال يتذكر احدها والذي أعطاه اسماً هو (حيدر) فكان يصطحب معه هذا البلبل أينما ذهب ، وفي إحدى المرات غفل حيدر عن نفسه قليلاً فهجم عليه قط كان متربصاً به ، فحزن كثيراً لفقده وقرر منذ تلك اللحظة ان يقلع عن تربية البلابل ، إلاّ ان ذلك لم يمنعه من أن يقوم بتربية إحدى القطط الشامية ذات الفراء الناعم الجميل ، وأطلق عليها تسمية (ميسون) ، وكانت على درجة عالية من الكياسة والتهذيب واللياقة ، حتى انه كان يعتبرها جزءاً من أسرته ، إلا انه فوجئ ذات يوم ان مجلس قيادة الثورة يصدر مرسوما يقضي بإبادة القطط والكلاب السائبة ، وان على الذين لديهم حيوانات أليفة في بيوتهم ان يذهبوا بها الى دوائر البيطرة القريبة ليُصار إلى حقنها بالمصل الخاص ضد انتشار الأوبئة ، وبدلاً من أن يعطوها المصل زرقوها بحقنة قاتلة ، الأمر الذي أدى ان يدخل في شجار عنيف مع موظفي الدائرة ، ليخرج بعدها حاملاً جثمان (ميسون) ، ثم ليقوم بدفنها وفق مراسيم خاصة .

 
الحبيس العاشق

منذ وقتٍ مبكّر ، وجد نفسه يعشق الطيور المغرّدة ، ولا سيّما البلابل ، التي كان يشعر بنشوة ما بعدها نشوة وهو يصغي إلى تغريدها منطلقاً من أشجار حديقة بيتهم في الكرّادة ، أو من حدائق البيوت المجاورة ، وحين كان يستولي على اهتمامه شيء ، فإنه كان يتقصّى كافة المعلومات المتوفرة عنه ، من خلال قراءة الكتب المتخصصة ، وكذلك سؤال الأشخاص الذين لديهم خبرة ودراية بهذا الأمر ، وعلى سبيل المثال حصل على معلومة ذات قيمة عززت لديه احترامه واهتمامه بالبلابل ، فقد قال له أحد القرويين ، إن البلابل تختلف كلياً عن باقي الطيور ، وهي تعشق الحرية بشكل غريب ، إذْ أنها الطيور الوحيدة لا تتزاوج قط وهي داخل أقفاصها حتى لا تورث العبودية لصغارها ، وعلى أية حال ، وكما يتذكر ، فقد اقتنى في إحدى المرات بلبلاً من النوع الذي يعيش في محافظة ديالى ، وهو نوع مميز بشهادة العارفين ، وكانت النصيحة الثمينة المقدّمة لمن يريد أن يقتني أحد البلابل ، وهذا الأمر ينطبق كذلك على الطيور المغرّدة الأخرى ولا سيّما الكناريات ، هو أن يعمد الشخص إلى وضع البلبل بمفرده في القفص ، فيكون ذلك دافعاً وحافزاً له لكي يغرّد ويجوّد في تغريده ، ربما من أجل أن تسمع البلابل الأخرى نداءه ، أو أن تغريده في مثل هذه الحالة يكون كغناء سجينٍ يرثي نفسه ، على ما آلت إليه أموره ، وفي إحدى الصباحات سمع تغريدة أخرى  شجية صادرة من بلبلٍ آخر ، خرج إلى الطارمة حيث كان القفص  معلّقاً ، فوجد بلبلاً آخر ، فهم أنها أنثى ، لأن الطائر الذي لديه كان ذكراً ، وظلا يتناجيان ويغردان ، غير آبهيْن لشيء من حولهما ، وقد استهواه هذا المشهد الفريد وطرب له ، وبعد مضي أكثر من أسبوع على هذا الحب الجارف بين الطائرين انتبه إلى أنه يضع نفسه في موضع القاسي الذي لا يرحم  ، فقرر أن يطلق سراح البلبل ، وهذا ما حصل ، فطارا معاً وحلّقا بعيداً ....

محرر البلابل

كان الحصار الاقتصادي يشدد الخناق على حياة الناس ، وكان من العسير على الكثيرين الحصول على النقود الكافية لكي ينفق على عائلته أو نفسه ، وقد أدى ذلك في الكثير من الأحيان إلى تفكك عرى العلاقات الاجتماعية ، بل وامتد ذلك إلى الروابط العائلية أيضاً ، فلم يعد الأخ يهتم أو يأبه بأخيه ، أو حتى الأب بأبنائه من حيث توفير المستلزمات الإضافية أو الكمالية بما في ذلك الملابس وبعض الحاجيات الصغيرة ، وفي أحد الأيام ، وبطريقة ما وجد نفسه يحصل على بعض المال ، وبينما كان يتجول ، كعادته في سوق الطيور ، رأى شاباً قروياً يجلس جانباً وبجانبه قفصٌ كبيرٌ  يحتشد بمجموعة كبيرة من البلابل ، وكما يبدو فإن هذا القروي قد نصب لها فخاً واصطادها في القرية التي جاء منها ، لاحظ أن أصحاب محلات بيع الطيور المغردة لم يأبهوا له ، أو هم أظهروا له ذلك ، من أجل أن يتطرق إليه اليأس من الحصول على المبلغ المناسب ، فيبيعهم البلابل بالسعر الذي يحددونه هم لا هو ، انتظر قليلاً ، ثم اقترب منه ، وسأله عن عدد البلابل في قفصه ، قال الشاب ؛ إنها أربعة وثلاثون ، سأله عن السعر الذي يريده ثمناً لها ؟ فكّر الفتى قليلاً ، ثم قال ؛ إنه يريد خمسمائة دينار ثمناً لها ، وبعد أخذ ورد معه ، وافق القروي على مبلغ 200 دينار ، وسلّمه المبلغ ، قال القروي ؛ ولكن كيف ستأخذها ، هل تريد أن تشتري القفص أيضاً ، أم هل ترغب بشراء قفص جديد ؟ أخبره أنه لن يحتاج إلى أي قفصٍ لها ، وطلب منه أن يمهله بعض الوقت ريثما ينتهي الأمر ، وطلب منه أن يمضيا معاً إلى حيث حافة النهر القريبة ، وهناك فتح باب القفص وسط  ذهول واستغراب القروي ، فأسرعت البلابل بالخروج والطيران بعيداً ، وأخيراً لم يتبق سوى بلبل واحد ، وخرج أيضاً وراقبه أبو رياض منتشياً ، ولم يتعجّب من أن هذا الطائر الأخير لم يشأ أن يهرب بذات الطريقة المتعجّلة التي هرب بها رفاقه ، بل رآه يحلق بتمهل ، ثم ليحط على أحد أسلاك الكهرباء فوقهما ، ثم ليطلق تغريدة آسرة  أخيرة قبل أن يحلّق عالياً ، فهم منها أنه يزجي إليه الشكر والعرفان نيابة عن رفاقه ورفيقاته البلابل ، التي يبدو أنها نسيت أن تقوم بهذا الواجب ، وهي في حمى الهرب من الأسر .


ليست هناك تعليقات: