بحث هذه المدونة الإلكترونية

مرات مشاهدة الصفحة في الشهر الماضي

الأحد، 28 ديسمبر 2014

الخطأ يؤدي إلى خطأ أكبر!-د.إحسان فتحي/ معماري عراقي ومتخصص بالحفاظ على التراث




الخطأ يؤدي إلى خطأ أكبر!



      الزملاء المعماريون العراقيون والأصدقاء  تحيات وسلامات لم أستغرب أبدا عندما سمعت قبل أيام بأن الجهات المسؤولة عن الحضرة الحسينية الشريفة قد قررت وضع قبة جديدة فوق القبة القديمة. هذا بعد ان شعرت بخطأ ما عملته قبل سنوات قليلة بتسقيف الصحن التاريخي الكبير الذي كان يمثل الفضاء الأرحب في المدينة العتيقة التي كانت تتميز بأزقتها المتعرجة والضيقة، فكان هذا الصحن المفتوح يمثل المفاجأة الكبرى للزوار وصدمة حسية لا تنسى مفعمة بالمشاعر الجميلة والمؤثرة. كان هذا القرار الكارثي بالنسبة للتراث المعماري للعتبات المقدسة قد سبب في إخفاء شبه كامل ومحزن لهذه القبة الذهبية الرائعة والتي يرجع تاريخها إلى بدايات القرن التاسع عشر( بعد ان مرت بسلسلة طويلة من إعادة التعمير). أصبحت القبة لا ترى إلا من مسافات بعيدة جدا. ان هذا القرار الخطير كان قد اتخذ بكل بساطة من قبل عدد قليل من الأفراد غير المتخصصين ودون استشارة دائرة الآثار والتراث ونفذته شركة إيرانية. أتذكر انه في زيارة توثيقية لي لمدينة كربلاء قبل 3 سنوات، وبالتنسيق مع مكتب (ديوان) للأخ الصديق محمد الاعسم، كان قد سألني المهندس المسؤول عن الحضرة وتطويرها عن مشكلة اختفاء القبة الحسينية عن الأنظار وكيفية معالجتها؟ وكانت إجابتي بكل بساطة ان عليكم جديا التفكير بإزالة السقف الجديد ووضع (شمسيات كهربائي ) كتلك التي وضعت في صحن المجد النبوي الشريف في المدينة المنورة. لكن اقتراحي هذا لم يؤخذ به، لأنه كان سيمثل اعترافا واضحا بالخطأ الفادح المرتكب.  أما الآن فهم يفكرون ببناء قبة جديدة اكبر ترتفع بأكثر من القديمة بحوالي 8 أمتار (فوق القديمة الذي يبلغ ارتفاعها 27 مترا) ومن الحديد طبعا وليس الطابوق، إضافة إلى إنهم سيضطرون إلى هدم المئذنتين التاريخيتين واستبدالهما بأخريين جديدتين!ما هذا الذي يحصل؟  انه الكابوس بعينه.  هل يمكن ان يدمر تراثنا بهذا الشكل الساذج والجاهل والمتعمد؟  لقد سجلت احتجاجا شديد اللهجة ضد ما عمله المسؤولين عن إعادة بناء قبة الإمامين العسكريين في سامراء وبالتعاون مع منظمة (اليونسكو- العراق) المهادنة، عندما علمت بان القبة الجديدة ستكون من هيكل حديدي!  كانت هذه القبة التاريخية الرائعة اكبر قبة من الآجر في العراق والآن أصبحت مجرد هيكل حديدي مزيف. بالله عليكم يا اثاريون هل هذا هو الأسلوب العلمي الصحيح في الترميم؟  ان اليونسكو مدان كليا وتاريخيا لسماحه أو بالتواطؤ مع الجهات العراقية المسؤولة عن هذه العملية الزائفة والتي كلفت أكثر من 80 مليون دولار! كم يا ترى ستكون كلفة مشروع القبة الحسينية الجديدة مع مأذنها في كربلاء؟  ومن هو المسؤول وصاحب هذه الفكرة الرهيبة؟  ان الخطأ قد جرهم الى التفكير بارتكاب خطأ افدح.  أرجو من المرجعية الحكيمة، ومن كل أهل كربلاء الكرام، ومن وزارة السياحة والاثار، ومن كل عراقي يهمه تراثنا المعماري، ان يوقفوا هذه المهزلة، وان لا  يسمح أبدا لأي شخص كان ان يتلاعب بالتراث الحضاري العراقي من زاخو الى البصرة.

د.إحسان فتحي/ معماري عراقي ومتخصص بالحفاظ على التراث

ليست هناك تعليقات: