بحث هذه المدونة الإلكترونية

مرات مشاهدة الصفحة في الشهر الماضي

الاثنين، 4 مايو 2015

قصة قصيرة-ها أنا عدت إليكم!عادل كامل-مجسمات عادل كامل







قصة قصيرة

 
ها أنا عدت إليكم!


عادل كامل
ـ ها أنا عدت إليكم!
    عم الفزع وجوه الجميع باستثناء الأم التي استقبلت ابنتها الغائبة بشرود، لكن بترحيب:
ـ كنت اعرف انك ِ لم تغادرينا، رغم إنهم اختطفوك، وتسلوا بك، ثم افترسوك، ورموا الباقي إلى المزبلة!
     اقتربت الأتان من أمها:
ـ كنت اعرف مشاعركم، صدقها، وحزنكم علي ّ....، ولكن ها أنا عدت...، لزيارتكم، أخيرا ً.

   صاح احدهم:
ـ أين أنت...، لأنني لا أرى إلا ذيلك وحده يتحرك...؟
وأضاف آخر:
ـ لا ...، أنا لا أرى إلا ساقها...
وقال ثالث:
ـ لم يبقوا منك إلا الجلد....، أين هو الجلد..؟
فقالت الأم بأسى مكتوم:
ـ صبرا ً يا أولاد...، المهم إن روحها عادت، وإنها لم تقهر!
ـ نعم...، صحيح إنهم اختطفوني، ودنسوا شرفي، ثم افترسوني....، لكنهم لم يقدروا على قهري أبدا ً.
    ضحك الجد، بعد أن حك رأسه بالجدار:
ـ كأنها لعبة أرواح...، يا حفيدتي...، المهم إننا أقمنا دعوى ضدهم!
ـ جيد.
ـ ومع إننا خسرناها، إلا إننا أقمنا دعوى أخرى وبعثنا بها إلى باقي زرائب الحديقة، بل وسربناها إلى الخارج أيضا ً، تضمنت إن ابنتنا اختطفت، وتم اغتصابها، ومن ثم تم افتراسها.
    لم تجب الأتان، فقالت الأم لها:
ـ كان ظلك يزورنا يوميا ً، وروحك ترفرف مثل هواء الفجر.
   وقال آخر:
ـ وكنا نراك تجلسين عند باب الزريبة، تراقبين الخيول، في حظيرتهم.
   فقال الجد بصوت متعب:
ـ آلاف المرات حذرتك من ذلك...
    قالت الأم:
ـ لا معنى لهذا العتاب ...، فانا نفسي كدت أقع في الغواية، وتقهرني الرغبة...، الم تخبرنا إن من لم يرتكب الخطيئة كأنه لم يولد، وانه لن يحصل على الغفران...، وإلا ما معنى لو خلقنا بلا ذنوب، ومن غير هفوات، وبدون آثام؟
ـ أنا لم أصرّح بذلك....، أنا قلت: من لم يقترف الذنب لن يحصل على البراءة، ومن لا يتعثر لا يحق له أن يمتطي صهوة المجد!
قالت الأتان:
ـ جدي...، أنا أخبرت الذئاب بذلك، فقالوا: إننا لا نرتكب الفحشاء، بل نعمل على محوها!
    فسألها الجد:
ـ كانت مكيدة إذا ً ...؟
ـ بل وشاية !
ـ ولكن ما التهمة التي وجهت لك ِ يا عزيزتي...؟
ـ المساهمة بالانقلاب على الشفافية، والتستر على زوجي الميت!
ـ تهمتان قاسيتان...، مع إنني أعرفك، يا حفيدتي، عاملة نشطة في الدفاع عن حقوق الحمير!
ـ أخبرتهم بذلك، ولكن من غير جدوى...، فقد استندوا إلى معلومات مزيفة، مموهة، وخادعة...، فقد اتهموني بأنني طالما كنت احلم بالعودة إلى قرانا القديمة التي سلبت منا...، فقلت لهم: لم تعد هناك قرى، كما لم نعد نحلم بالعودة لها، ثم إننا سعداء بالعيش في هذه الزريبة، وداخل هذه الأقفاص..
     قالت الأم:
ـ يا له من عمر نكد...، فلم نسلم من الأذى في البرية، ولم نسلم منه في هذه الحديقة...، فلماذا يرغموننا بالارتداد إلى مستنقعات الماضي...؟
   صفقوا. قالت الأتان:
ـ والآن دعوني أعود...
صاحت الأم:
ـ لم تمكثي إلا قليلا ً...، ثم إلى أين سترجعين؟
ـ  إلى الفراغ الأعظم الذي لا ذئاب ولا خنازير ولا عقارب ولا أنذال فيه!
قال الجد:
ـ صحيح، أسألك، ما الذي جاء بك، وما هي أسباب هذه الزيارة...؟
ـ جئت أتفقدكم، واطلع على أحوالكم...
ـ آ ....، يا عزيزتي، كم أنت بنت وديعة...، ومع ذلك السفلة أقاموا دعوى ضدك بالانقلاب على البراءة؟
ـ لا ...
وأضافت محتجة:
ـ هذا مجحف...، فما هو ذنب الشفافية، والبراءة...؟
ـ ذنب من ...؟
ـ ذنب لا احد!
ـ لم افهم؟
ـ عندما تم اختطافي، والاعتداء علي ّ، وافتراسي أخيرا ً...، سألتهم السؤال ذاته. فضحكوا... فقلت لهم: يحدث هذا كله وانتم تضحكون؟ فقال كبيرهم: ماذا نفعل...، أنبكي...، أم ندع الكلاب تفترسنا؟
صاح الجد:
ـ الآن فهمت...، حتى لو لم يحدث ذلك فسنموت في الإسطبل، كما تموت البلابل في أقفاصها، والأسماك في جداولها، والقرود في أجنحتها..
   قالت الأتان:
ـ لكن، يا جدي، جاء كبير الذئاب ليعتذر...
صرخت الأم:
ـ أيتها المجنونة...، جئت بالعدو إلى عقر دارنا، إلى إسطبلنا؟
ـ لا ..، أنا لم آت به، ولماذا افعل ذلك، أنا جئتكم بطيفه!
فسألها جدها:
ـ أنت لم تأت ِ بكبير الذئاب...، بل جئت بقطيع كبير من الذئاب...؟
ـ أنا لم افعل ذلك...، وأنت تعرف...، فانا لست سوى حزمة من الفراغات!
ـ وهل اختطفوك بوصفك فراغا ً؟
ـ لا.
ـ وهل اغتصبوا بوصفك شبحا ً..؟
ـ لا.
ـ وهل افترسوك بوصفك طيفا ً..؟
ـ لا ...، لا يا جدي، لكنها هي الحقيقة..
ـ ما ـ هي ـ هذه الحقيقة...؟
ـ إننا اعتدينا عليهم!
ـ ماذا تقولين؟
ـ هم يقولون...، وماداموا هم الحقيقة، فهم على صواب! ولكن أرجوك، قبل أن تقاطعني أصغ إلي ّ: هل كانت الذئاب وحدها هي التي قامت بأعمال تلك الليلة...، أم كانت هناك الثيران، والجاموس، والنمور، والجمال، والأرانب، والخيول، ومعها الضباع، وبنات أوى، والثعالب، والجرذان...والتماسيح، والحيتان..؟
صاحت الأم:
ـ حتى الأرانب...؟
ـ أماه...، بعد أن أصبحت وحيدة في العراء، رأيت العجائب، رأيت السيد صغير الفئران، ذاك التافه، الذي كان يمضي الوقت يبحث عن قشة، في زريبتنا، يقود الدببة، والتماسيح، والنمور، وكانت الفيلة تؤدي التحية له، فقد أصبح زعيما ً!
ـ صغير الفئران؟
ـ لا ...، ليس صغيرها، تماما ً، بل أشدها خسة...، ونذالة، وقد صار باسلا ً، ومغوارا ً، وبطلا ً!
     تراجع الجد إلى قاع السقيفة، ومعه باقي الحمير، ومكثت الأم حائرة لا تعرف ماذا تعمل. قالت ابنتها:
ـ في الواقع...، لا معنى للفزع...، ولا معنى للخوف...
ـ ابنتي...، أنت ِ جئت بجيش جرار لمحونا من الوجود، فلا إسطبلات ولا حديقة بعد هذا اليوم؟
ضحكت الأتان:
ـ أي إسطبل هذا الذي تتحدثين عنه...؟
ـ الإسطبل الذي ولدتك فيه....، نشأتي، وتعلمتي، وكبرتي...، قبل اختطافك منا..
ـ للمرة الألف اكرر القول: إن ذلك لم يحدث..!
ـ ماذا حدث إذا ً....، يا طفلتي الشبح..؟
ـ أنا لم اعد شبحا ً، بل طيفا ً، وبعد قليل سأعود إلى ما كنت عليه...، ولكن خوفكم هذا لا مبرر له.
     نهق احدهم:
ـ سيفترسوننا جميعا ً!
     هدأته الأتان بصوت مرح:
ـ يا حمار...، لقد جاءوا لتحريركم من الإسطبلات!
     فسألها جدها بصوت مذعور:
ـ هل سيعيدوننا إلى البرية...، والى البساتين...؟
ـ لا...، سيتم بناء إسطبلات حديثة، شفافة، لا أسوار لها....، بعد تبديد ذعركم!
ـ ابنتي...، هل أنت لسان حالهم؟
ـ لا ! أنا قائدتهم!
ـ غريب...، ابنتي أصبحت زعيمة! وغدا ً سيشيدون لها نصبا ً في اكبر ساحات الحديقة...، فما علينا إلا أن نصفق لك، ونتغنى باسمك، ونهتف لمجدك!
   لم يصفق احد، ليمتد الصمت. فقال الجد بصوت غير مسموع:
ـ آن للحديقة أن تزول...، وهذه واحدة من علامات زوالها.
صاحت الأتان:
ـ أرجوك، يا جدي العظيم، تكلم بشجاعة، فأنت لا تمتلك شيئا ً تخسره، فلماذا لا تدع المستقبل يستبدل جلده...؟
ـ أنا لا أخاف أن يفترسوني، بل اشعر بالقرف أن تركوا جثماني يتعفن في العراء..؟
ـ ها ..، قبل الموت أم بعده...؟
ـ ليس قبل الموت...، ولا بعده...، فانا لم أمت كي أولد، ولم أولد كي أموت!
ـ وأنا مثلك!
     تقدم كبير الذئاب ممهدا ً الدرب للفار بالتقدم. فقال الأخير:
ـ آن لنا قول الحقيقة....
    لاذت الأم بالفرار...، وتكدسوا جميعا ً في نهاية السقيفة، في قاع الإسطبل. قال الفأر:
ـ فهي ليست كباقي الحقائق...، تولد ميتة...، بل تولد لتقاوم موتها...، والآن...
     ونظر الفأر إلى كبير الذئاب، وخاطبه:
ـ أفترسهم!
   قال الحصان الأسود:
ـ وماذا نفعل نحن...، نرجوك...، اجل الوليمة إلى اليوم التالي!
   قال القائد:
ـ كلوه.
    اختفى الحصان الأسود، فقال الذئب:
ـ تم التنفيذ، سيدي.
   قال الفأر:
ـ والباقي بحكم الأسرى...، فانا طالما حلمت أن أراهم يدفعون الثمن؟
     صفق الضبع. فخاطبه الفأر بصوت حاد:
ـ اخرس! فانا لم اطلب مشورتك..!
   متابعا ً وهو يحدق في الإسطبل:
ـ نظفوه! طهروه، أمحوه ولا تتركوا له أثرا ً..!
فرد الذئب:
ـ نعم سيدي...، لكن ماذا نفعل بالأسرى ...؟
ـ آ ...، دعوهم يبحثون عن ملاذ فلا يجدوه إلى ابد الآبدين، هكذا جدي قال في قديم الزمن.
   صاح طيف الحصان الأسود:
ـ ومصيرنا نحن...، سيدي؟
ـ أغلق فمك...، فالأسيرات بعدد رمال الصحراء...، فخذ ما تشاء منهن، فهن متاع لكم حتى آخر الزمن.
ـ سيدي...، لكننا كنا نحلم بحفلة؟
ـ حفلتكم تأتي بعد انتزاع المعلومات..
قال الذئب:
ـ سيدي الفأر الخالد...، لسنا بحاجة إلى اعترافاتهم...، فالمعلومات لدينا كاملة، حتى قبل شروعهم بالممارسة!
ـ يا حمار! ألم تفهم إن المطلوب هو تركهم يتمرغون بعار الهزيمة، حتى قبل دخول الحرب!
   فسأله تمساح كان يقف بجوار كبير الخنازير:
ـ وما هو دورنا، سيدي؟
ـ أنت عد إلى ... مستنقعك...، فمهمتك ستبدأ بعد ... إقامة حفلة العرس الكبرى.
      صهل حصان هبط من الأعلى:
ـ حذار...، حذار...، سيدي قبل التأكد من سلامة فروجهن، وأدبارهم، وخلوها من الأمراض الفتاكة! فالشر كل الشر في ما تخفيه الفتحات، والثقوب!
    هز الفأر رأسه:
ـ هذه هي مهمة جهاز حماية الأجهزة الناعمة.
  مسترسلا ً:
ـ ثم ...، بعد الليلة الحمراء، أقيموا الوليمة!
اقترب شبح الأتان من الفأر:
ـ سيدي، لكنكم وعدتموني بإطلاق سراح أهلي...، شرط ان أضحي بحياتي، وأنا فعلت ذلك..؟
ـ يا حمارة...،  ومن اخلف في الوعد؟
ـ ممتاز!
     فصاحت الأتان تخاطب أمها وجدها وباقي أفراد العشيرة:
ـ ابشروا ...، ابشروا ...، الفأر لا ينكث عهدا ً، ولا يخلف وعدا ً...
   قال الفأر بكبرياء:
ـ كفى تملقا ً، ولغطا ً، ودعاية!
وخاطب كبير الذئاب:
ـ باشروا...
صاحت الأتان بصوت مذعور:
ـ سيدي...، الكل أبرياء...، ولا احد تعاون مع العدو...، فلا احد تذمر، ولا احد عصى، ولا احد رفس، ولا احد ارتكب حماقات، ونذالات، ودناءات،و ...
ـ اعرف...، وإلا هل كنت سأغفر لهم؟
ـ  كم رحيم قلبك، سيدي، أيها الفأر الكبير!
ـ لا فائدة من التملق، والمدائح، فأنت لم يعد لديك دور، لا معنا، ولا معهم!
ـ آ .......، ستعتقني؟
ـ يا حمارة، من غير الشفافية، لا يستتب العدل، ولا تأخذ النزاهة مجراها، ولا يسود الوفاق!
ـ ولكن اخبرني ماذا سيحصل لنا بعد الليلة الحمراء...؟
    ضحك الفأر:
ـ أنت تعرفين...، وهم سيعرفون...، فما فائدة الكلام، الم يقل زعيمنا لا تولد الكلمات إلا كي تكنسها الريح! وكل الحكايات تحكي كي لا يسمعها احد...!
صرخ الجد بتضرع:
ـ سيدي، فانا في أرذل العمر، أعمى، وكسيح، ومصاب بالخرف، وأمراض السراديب،  كما تراني....، فأمر جندك البواسل بافتراسي....، أم لا مناص من فعل المنكر؟
ـ المنكر...؟
  وسأله الفأر بغضب:
ـ وهل في حديقتنا هناك من يرتكب المنكر...، يا كبير قادة الحمير...؟
ـ لا.. لا...، ولكنك لا تستطيع أن تعرف ماذا تفعل الضباع، والكلاب، والثيران...، ولا تلك التي تحّوم تحت الشمس، فانا  لا أريد أن أتعفن فوق تلال النفايات، والمزابل...
ـ اقسم لك ...، لن يحصل ذلك!
ـ إذا ً ... دعني أرى موتى قبل بدء الحفلة! فانا سأكون ممتنا ً لسيادتكم لو أمرتم بذلك.
    أمر الفأر الديدان والحشرات والبكتريا بالاستعداد. فصرخ الجد:
ـ ولكن، يا سيدي القائد، لماذا لم تأمر السيد التمساح، بابتلاعي...، بدل أن تشغلك جيشك بعمل منهك...، وبدل أن أتوزع في مقبرة جماعية...؟
   ضحك الذئب:
ـ الحمار يحلم بإقامة شاخص له! وربما يحلم أن نشيد له صنما ً...؟
   رد الفأر:
ـ لا ...، لو كان يحلم، لكف عن الأحلام!
ـ ربما يفكر...؟
ـ ولو كان فكر لحظة واحدة، لعرف كيف يكف عن التفكير...؟
اقتربت الأتان من الفأر:
ـ سيدي، اخبرني، قبل أن أتلاشى وأزول: ما المجد الذي تحصل عليه...، وأنت تدمر عشيرة الحمير...، بعد أن جمعت المفترسات، والكواسر، والحشرات، والديدان، وكل صاحب ناب، ومخلب، وفكوك عنيدة ...، ما الذي تكسبه، بعد أن نكون بخبر كان...، فمن يصفق، ويهتف، لمجدك...؟
ـ يا حمقاء، ها أنت تكررين السؤال ذاته الذي سبق افتراسك، مرة ثانية، بلا مراعاة للأصول، ولا للشفافية، فماذا قلت لك...؟
ـ آ ...، لا أتذكر، سيدي، آسفة، لا أتذكر!
ـ ها، ها، وتطالبيني بالتذكر...؟
ـ آسفة...، مرة أخرى، لكنني أسألك الآن:  هل تزهوا وتفرح وتفتخر لأنك انتصرت علينا، نحن عشائر الحمير والأرانب والضفادع...؟
ـ لا! أنا لا افتخر بأعمالي...، لكن يمكنك توجيه السؤال إلى عبيدي...؟
ـ اووووه...، وهل باستطاعتي أن اسأل الذئب...، أم أسأل التمساح، أم أسأل وحيد القرن...، أم اسأل العقارب...؟
ـ إذا ً....، قصدك إن أعمالك هي التي تتحدث عنك، مع انك اعرف مني أن ما يأتي مع الريح يذهب معها...، فلا زرائب، ولا جحور، ولا حظائر، ولا حدائق.... بعد اليوم!
ـ الروح تتكلم...؟
ـ آسفة، هذا هو ظل زوالي يتكلم..، أما روحي فلا اعرف أين توارت، وتسترت، وغابت...؟
ـ إذا ً...، لنترك ظلي يقول لك: من آذانا طوال الدهر...، من أسكننا الحفر، من شردنا، من أمرضنا، من أخافنا، من أذلنا، من...، ومن ...،ومن جعل منا ولائما ً له....، ومن دعا إلى تمزيق وحدتنا، وهدر دمائنا، وإزالتنا من الوجود...؟
ـ آ ....، أجئت تنتقم، وتثأر، وتروي غليل الدهر منا ...؟
ـ لا ! فانا آخر من يلذ ّ له إنزال العقاب بالمعاقب، وتخريب ما هو مخرب، وإيذاء من لا موضع فيه للإيذاء.....، أو إنزال العلل بمن مات، ونفق، وزال...؟
ـ أسأل من ....، إن لم أسألك، أيها العظيم بين العظماء ..؟
ـ اسألي من أرسلني...؟
ـ لم يرسلك احد!
صاح الذئب:
ـ ماذا تظن هذه الأتان بنفسها...، وقد أمضت الزمن كله لا عمل لها سوى حمل الأوزار، والنفايات، وجر عربات نقل الموتى...؟
صاحت الأتان بالذئب مذعورة:
ـ لا تقل ذلك، أرجوك، فانا لم ارتكب ذنبا ً، وما زل لساني، وما ارتكبت الفحشاء، أو دنت نفسي من الخطيئة...، بل كنت احمل أثقالكم، ثم، كانت نهايتي معروفة: أسيرة هذه الحظيرة بانتظار إرسالي إلى أفواه العاطلين عن العمل!
ـ آسف...
فخاطبها الفأر:
ـ اقتربي، لا تخافي، اقتربي مني...
   اقتربت كثيرا ً حتى غابت:
ـ الذي أرسلك إلي ّ هو الذي أرسلني إليك!
قال الخنزير:
ـ تأخرنا ...، سيدي، فالحمير لم تعد تغرد!!
صرخ الفهد:
ـ سيدي، ولم تعد تتنفس!
فقال الغراب:
ـ لقد نفقت للأسف!
    اقترب الفأر من الجد العجوز:
ـ حتى أنت...؟
      رفع الجد رأسه وقال:
ـ  ها هي روحي تقول لك: الذي أرسلك لتأسرنا، وتغتصبنا، وتفترسنا، هو نفسه الذي سيرسل من سيشتت شملكم، وهو من سيصنع منكم نهارات حمراء، وليال ٍ بلون القير، وهو الذي سيأمر بالأقوى أن يبطش بالأقل قوة، وهو الذي يأمر بالضعيف أن ينكل بالأشد ضعفا ً...، وأنا أدعو السيد الغراب ليروي شهادته بهذا الصدد...؟
    صاح الغراب:
ـ أنا لم أكن طرفا ً لا مع هذا ضد ذاك، ولا مع ذاك ضد هذا...
     قال جد الحمير يخاطب الغراب بغضب:
ـ حقا ًمن تستر على الجريمة....، لا يحق له أن يتنصل عن إثمها!
    از الفأر أزيزا ً مدويا ً:
ـ لا تاسروووووه...،لا تغتصبوووووه....، ولا تفترسوووووه...، بل اتركوه يتعفن!
   وخاطب الديدان:
ـ وانتن يا ديدان الأرض حذار من مس لحمه ألاثم!
وراح يبحث عن الأتان:
ـ أين أنت ِ....، أيتها الجميلة، يا من قضيت ِ حياتك في إسطبلات الخيول، وبيوت الرجال.. ..!
قال الجد:
ـ آ ...، لقد بدأت أراك تتفسخ...، قبلي، وجيفتك بدأت تملأ الريح!
   عوى الذئب:
ـ  أبعدوه...، لا تتركوه يتكلم، فزعيمنا أصبح شارد الذهن، يبحث عن أتان لا وجود لها...!
   فقال الفأر يخاطب نفسه:
ـ كانت الأتان على حق...، وحدها كانت على حق...، ولكن هل كنت أنا على باطل...؟
    قال جد الحمير:
ـ لو كنت على باطل...، فلا حق هناك! ولو لم ترتكب الآثام فمن كان سيعيد لنا براءتنا....، ولو لم تكن تجهل ماذا كنت تفعل فكيف كنا سنهتدي إلى الصواب، ورؤية خارطة الدرب...؟
ـ من أنت...؟
ـ أنا هو صوت الضحايا التي صنعت منك زعيما ً...، وإلا ماذا لو كنا جميعا ً طغاة؟!
   ضحك الفأر:
ـ ستجد أمي مخصيا ً لتحبل به وتلد ضحية لن يدع طاغية يدوم طغيانه إلى ابد الدهر...، وستعود لتحبل أمي العذراء لتلد الآخر الذي لن تدوم حديقته أكثر من زمن هذا الاحتفال!
28/4/2015

ليست هناك تعليقات: