بحث هذه المدونة الإلكترونية

مرات مشاهدة الصفحة في الشهر الماضي

الثلاثاء، 16 يونيو 2015

المعاصرة-عبد الامير الخطيب *


المعاصرة



عبد الامير الخطيب *

على ما يبدو، يكون السؤال الشكسبيري التاريخي، "اكون او لا اكون..ذلك هو السؤال" و الاصح " اكون او لا اكون، تلك هي القضية" ، من الاسئلة المصيرية التي تجابه الانسان في كل زمكان ، و المعنى الظاهر كالمعنى الخفي لهذه الجملة التاريخية، وهو ان الانسان يبحث عن مكانه في زمنه ، عن كينونته، و هذا هوالمعنى الأقرب لكلمة المعاصرة.
فالمعاصرة تختلف تماما عن الحداثة، التى عمل عليها الكثير ولا يزالون في قضايا الفن والادب وغيرها مثل التكنولوجيا و علم اللسانيات. وما يهمني هنا بالتحديد هو قضية الفن، وأعني المعاصرة في الفن، و حصراً الفن التشكيلي الذي برع و برز فيه العراقيون دون سواهم من العرب في عقود الخمسينات و الستينات و السبعينات من القرن الماضي، و عن الدور المعاصر الذي يلعبه هؤلاء في تكوين وتشكيل الصورة النهائية للفن التشكيلى المعاصر في عموم الارض.
هذا المقال ليس دراسة علمية ميدانية عن الفن التشكيلي المعاصر، و لا نقدا لظاهرة الفن التشكيلي المعاصر ، بل مجرد اراء احاول من خلالها طرح اسئلة لما اراه في تجربتي الذاتية كاحد العاملين المتواصلين في هذا المجال.
كثيرا ما تحدثنا عن الفن الحديث، و عن دور الريادة للفنانين العراقيين لهذا الفن في عموم البلدان العربية، و شهد بذلك للعراقيين العرب جميعا، بمن فيهم من الباحثين و الفنانين، و حتى المهتمين بهذا الشأن و المُقتنين. كذلك عرفنا ان الفنان العراقي اضاف و بكل جدارة للفن او لصورة الفن العربي الحديث الكثير و من الاسماء هناك الكثير ما يملأ هذا الانترنيت. و باعتقادي ان ليس من المفيد الان ذكر أي اسم لاني في صدد الحديث عن موضوع أخر وهو المعاصرة لهذا الفنان، او بالتحديد تجديد معلومات الفنان والناقد والمهتم بتطورات الفن في العالم والذي اضاف اليه الفنان العراقي على وجه التحديد.
في قصة الفن العراقي المعاصر يتعرف المطلع و القارئ على ان اهتمام الفنان العراقي بالفن الحديث و بفن الخمسينات والستينات يعود الى البعثات التي ارسلت الى اوربا لدراسة الفن ، من الرعيل الاول للفنانين، و كذلك تواجد فنانين بولونيين الى العراق اثناء الحرب العالمية الثانية. وهذاالتاثير او بعبارة اصح التلاقح الذي حصل بين المهتمين من الفنانين الاوائل او ما نصطلح على تسميتهم بالفنانين المحدثين وبين ما تأثروا به سواء ما اتى او ما جلبوه من الخارج اثناء دراستهم كان هو حجر التعامل الاساسي في ريادة العراقين للفن الحديث.
و لكن اين وصل الفنان العراقي بخطابة التشكيلى و اين تواصله مع الخطاب التشكيلى ؟ هل انتهى عند نقطة الحداثة ؟ هل عرف موقعة بين اقرانه من الفنانين ام انه صغر و انطوى كالقنفذ كي يحمى موروثه الذي بدأ به و كانت له الريادة في جلبه الى عالم مليء بالممنوعات و المحرمات فيما يتعلق ب"الفن التشكيلى" خاصة ؟
المعاصرة كلمة تعني التواصل، والعصرنة تعني انك مع أخر ما توصل اليه الناس من تجارب، لا أعني هنا في الفن فقط بل اعني جميع المنجزات الثقافية التي من شانها خلق حياة متحركة فيها الجديد و المتجدد باستمرار. كما تعني كلمة المعاصرة ، انك تعيش مع الحالة او الشخص في ذات الزمن كقولك عاش ابو نؤاس معاصرا للرشيد، أي انهما عاشا في ذات الزمن. اذن فالزمن هو القاسم المشترك لطرفي المعادلة.
لقد درس الفنانون العراقيون اثناء الخمسينات و الستينات من القرن الماضي في اوربا وتعايشوا مع الفن الاوربي، و كما اسلفنا فانهم جلبوا التاثير حسب. أي انهم ادّوا وظيفتهم ولم يطالبوا بتاسيس معاهد او حتى مؤسسات تهتم بدراسة اخر ما تم التوصل اليه من تجارب في الفن التشكيلى، وهذه ليست مشكلة محددة في جيل محدد بل هي مشكلة مع كل الذين اعقبوا جيل الستينات، لاننا ورثنا الفن والمعرفة في الفن اساتذة و دهاقنة الفن أي من شيوخ عشائر الفن الفاهمين الكاملين الذين لا ينطقوا عن الهوى. فكان من الطبيعي ان يضبب الاستاذ في كلية الفنون تجربة الفنانين الاخرين مثل بيكاسو و ماتيس وغيرهما، و يتحدث عن هذه التجارب كأنها المقدس الطاهر الذي ربما يدنسه الاطفال النجسون.
وبدلا من إيضاح رؤية بيكاسو للتلاميذ والتي اعطاها للعالم من خلال الفن، يحاول الاستاذ الإستصغار من تلامذته و ربما تحقيرهم و محاربة كل من يبرز من الطلاب مما يكون تعبيرا عن العشائرية الدفينة في اعماق نفس هذا الاستاذ المريض بالنرجسية و المرض العربي الذي لا يُستأصل -" العشائرية"التي تم جلبها الى الجامعة و المحترَف و في كل ميادين الحياة، ولكي تبلغ بنا ما بلغناه في زمننا المعاصر الان.
لقد تجاهل أو انقطع الفنان العراقي وقرينه العربي، عن اخر المتطورات في الساحة التشكيلية العالمية منذ بداية السبعينات وبقي يراوح في ما انجزه و ما توصل اليه في الستينات، وبدل الإنشغال بوظيفته الاساسية وهي التواصل في صناعة الخطاب و المشاركة في صناعة الاخرالتشكيلى ، لجأ الى التواصل مع الخطاب السياسي و التاكيد على صناعة الايقونات و صناعة الاصنام من هذه الايقونات، و لا اعني هنا العراق وحده بل طالت الحالة العالم العربي بأكمله.
وهنا اود ان أؤكد على أني لست ضد الايقونة و لا جميع الايقونجية، بل على ان على الفنان العربي ان يبرز مشاركته في صناعة الخطاب التشكيلى العالمي المعاصر، وهذا هو الذي دعاني الى كتابة هذه السطور المتواضعة، و طرح هذه الاسئلة التي لا بد منها.
في معرض نقاشي وفي مكالماتي مع اغلب الفنانين و النقاد والمهتمين بالفن التشكيلي، يتبين دائما ان الفنان العربي المعاصر يجهل تماما الفنانين الاخرين، أمثال انيش كابور و سيباستياو سلجادو و اوود نودروم أو أي فنان عالمي معاصر . إن هذا الجهل حالة خطيرة، و خطورتها الخفية تعّمق الهوة بين ما توصل اليه الفنان العربي و ما توصل أو يتوصل اليه الفنان الآخر ، المعاصر والعالمي.
يكتب معظم الفنانون العرب عن فنانين اخرين زملاء لهم او حتى كتابة بعض النقاد العرب او بالاحرى المشتغلين بالنقد عن الفنانين العرب، هي محض مجاملة ليس لها علاقة بالفن و تحليل الظاهرة او البحث الفني لهذا الفنان او ذاك، وهي تزيد الهوة عمقا ولا تردمها ابدا، بل وصلت الحال ببعض الروائيين و الشعراء بالكتابة عن بعض الفنانين كخالقين لظاهرة الفن الحديث، تماما ككتابة الشعر و الروايات عن سلاطينهم.
بقي ان اقول عن تجارب الفنانين العرب الذين ترعرعوا في الغرب و شاركوا في صناعة الخطاب التشكيلى المعاصر،و بالتاكيد سوف لن استطيع حصر هؤلاء ابدا فهم نجوم لامعة في سماوات " بلدانهم الثانية " ولهم وضعهم ومشاكلهم و حتى حضورهم الفعّال الذي يسجله لهم التاريخ. وأما قضية تغييبهم عن العالم العربي و الصحافة و الاعلام العربي فهذه قضية هي بحاجة الى بحث و تقص علمي.
اقول هذا وانا اتابع بعض ما ينشر في الصحف التشكيلية والثقافية التي تكتب عن الفن حيث ألمسُ أن الفنان العراقي يركز على حقبة الستينات و لا يريد ان يفهم الخطاب التشكيلي المعاصر فأحدهم يكتب عن فنان اخر بعين ستينية او حتى خمسينية صرفة، و يكتب السوري عن زميلة بذات العين. اما عن المنجز التشكيلي العربي المعاصر ، داخل العالم العربي ، فهناك ممارسة بالغة التعسف يمارسها العشائريون لوأد هذا المنجز و محاربته. ولنا مثال في ذلك الفنان البحريني الذي عمل انستليشن "فن تركيب" و طرد من موقع العمل و دُمِّر عمله.
لكن هذا لا يعني ان ليس هناك تجارب تشكيلية معاصرة ، فلنا في التجربة المجدِّدة للشباب المغاربة مثال على المنجز التشكيلي المعاصر، والمشاركة المعاصرة في صناعة الخطاب التشكيلي المعاصر. وهناك العشرات من الامثلة المعاشة أيضا.



* عبد الامير الخطيب فنان عراقي غادر البلاد في عام 1986 و يقطن في فنلندا منذ 1990.
يترأس شبكة الفنانين المهاجرين في الاتحاد الاوربي. وله موقعه الشخصي : amir


ليست هناك تعليقات: