بحث هذه المدونة الإلكترونية

مرات مشاهدة الصفحة في الشهر الماضي

السبت، 25 يوليو 2015

في الادب الروسي المعاصر حوار مع الكاتب الروسي يوري ماملييف- كريستينا روتكيرخ ترجمة د. تحسين رزاق عزيز



في الادب الروسي المعاصر
حوار مع الكاتب الروسي يوري ماملييف


كريستينا روتكيرخ

  ترجمة د. تحسين رزاق عزيز

 
ولد يوري فيتاليفيج ماملييف في 11 كانون الأول عام 1931 في موسكو في عائلة استاذ بالطب النفسي، قتل أثناء الإرهاب الستاليني. انهى في عام 1956 الدراسة في معهد تقنية الغابات في موسكو، ثم صار يدرس الرياضيات في المدارس المسائية، و انشغل الى جانب ذلك بممارسة الابداع الادبي و الفسلفة الهندية و الفلسفة الباطنية و الغيبيّة.
كتب للفترة من عام 1953 الى 1973 مئات القصص القصيرة، و روايتين و الكثير من الابحاث الفلسفية و الاشعار. لكن لم يتم طبع كل هذه النتاجات. انتشرت نصوص مؤلفاته عن طريق الاستنساخ باليد و كاسيتات التسجيل التي تحمل قراءة لنصوص كتاباته. نظم ماملييف منذ عام 1958 في شقته في زقاق يوجينسكي حلقة سرية للفلسفة الباطنية سماها ((التصوّف الجنسي)).
غادر ماملييف الاتحاد السوفيتي في عام 1974. و عاش في الولايات المتحدة الامريكية للفترة من عام 1975 حتى عام 1983 حيث كان يُدَّرس الادب الروسي في جامعة كورنيليا في مدينة اتاكا.
تردد اسم ماملييف لأول مرة في عام 1975 في مجلتي ((الموجة الثالثة)) و ((المجلة الجديدة)) و بعدها صدرت له في دورية م. شيمياكين ((أبولون 77)) تشكيلة مختارة من قصصه.بعد اصدار المجموعة الامريكية لنثر ماملييف ((The sky Above Hell)) (1980) التي تحمل اسم احدى قصصه ((سماء فوق الجحيم)) تم قبول الكاتب عضواً في نادي القلم. انتقل في عام 1983 الى باريس حيث استمربتدريس الادب و اللغة الروسية في معهد باريس للغات و الحضارت الشرقية و في مركز ميدون لدراسة اللغة الروسية و الادب.
نال في الفترة التي قضاها في المهجر شهرة عالمية. حيث صَدَرت نتاجاته باللغات الروسية والانكليزية و الفرنسية والالمانية وغيرها ...

بدء منذ عام 1989 ينشر نتاجاته في بلاده. تمت في 1991 اعادة الجنسية الروسية ليوري ماملييف، و عاد في نفس السنة الى روسيا.
للكاتب مشاركات كثيرة في المؤتمرات الدولية و يلقي المحاضرات في مختلف الجامعات و له برامج اذاعية و تلفزيونية .
لكن يضل اهتمامه الرئيسس منصباً على نشاطه في الادب و الفلسفة. فهو يقوم بتدريس الفلسفة الهندّية في جامعة موسكو الحكومية و بنشر اعمالاً في مجلّة ((قضايا الفلسفة)) و نشرية ((Unio mistica)). يوري ماملييف حائز على جائزة اندري بيلي (1991) و جائزة بوشكين العالمية التي أسسسها صندوق الفريد توبفير بمشاركة نادي – القلم الدولي (1993).

---------------

* يوري فيتاليفيج انت اليوم احد اشهر الكتاب الجادين في موسكو، كتبك تصدر و يعاد طبعها و تتحدث في مختلف محطات الاذاعة و التلفزيون في كل مكان. فكيف كان الامر في الستينات عندما كنت تعيش في زقاق يوجينسكي؟

- كانت تلك فترة وجود السلطة السوفيتية، فمن الطبيعي، ان نتاجات مثل نتاجاتي لا يمكن نشرها، رغم انها كانت تخلو من كل ما هو سياسيي، لكن علم الجمال في الاتحاد السوفيتي كان محدداً برؤية واحدة للواقعية الاشتراكية لدرجة ان كل دار نشر سوفيتية كانت تهرب من نتاجاتي. كان في زقاق يوجينسكي في ذلك الوقت احد مراكز ما يسمى بالثقافة غير الرسمية في روسيا. كانت تجتمع هناك مختلف الشخصيات – بما فيهم مخالفوا الرأي السياسيون من امثال فلاديمير بوكوفسكي و الرسام المعروف – اناتولي زفيريف و الاكسندر خاريتونوف و الشعراء، مثل غوبانوف و هو شاعر موهوب بصورة غير اعتيادية. اضافة الى مختلف افراد المجتمع. كانت حلقة فلسفية ادبية تركز حولها الكثير من الشباب. و قد انطلقت انا من هذه الحلقة بالذات. انحصر نشاطها في ان اقوم بقراءة قصصي و نقوم بمناقشتها، و كنا نلتقي ليس في زقاق يوجينسكي فقط، اذ كانت توجد في موسكو عدة مراكز اخرى ازدهرت فيها الثقافة غير الرسمية. و انحصر نشاطها بالاساس بالقراءات و معارض الرسامين.

* لو تأملنا في الماضي كيف ترى دورك في تلك الايام؟

- أنذاك لم نكن نستغرق بالتفكير بالمستقبل على وجه خاص لأنه كان غير واضح المعالم اي انه كان مرتبطاً بالاحداث و كنت ببساطة ارى نفسي أقوم بدور احد مؤسسي الثقافة الروسية الجديدة، غير الخاضعة للرقابة. و بما ان الظروف كانت انذاك لا تسمح لنا بأن نأمل بنشر اعمالنا فالرقابة كانت غير موجودة على اعمالنا. و لم ترفع الرقابة السوفيتية فحسب. بل حتى الرقابة الداخلية، اي كانت حالة من الحرية المطلقة لم يجري الكلام خلالها عن اي تصحيح – لقد كنا احراراً تماماً في كل شيء و خاصة كنا نعوض وجود الاستبداد الذي يخيم فوق رؤوسنا بالحرية الكاملة في التعبير و في مناقشة مختلف المسائل و القضايا. و اني اعتقد ان في تلك الفترة لم يجرؤ أحد على نشر مثل هذه الاشياء حتى في الولايات المتحدة.

*ألم تكونوا تخافون؟

- لم نكن نخاف، اولاً لأن كل هؤلاء الناس كانوا يعرفون بعضهم البعض الاخر جيداً – كانت الحلقة ضيقة. ثانياً بما انهم لم يسمحوا لنا بالنشر في تلك الفترة و لا بأقامة المعارض للفانين فأنهم لم يتابعوا ما كنا نعمل في الداخل – كانوا يعرفوا ان هذا الامر لابد منه. الملاحقة كانت بالاساس للمعارضيين السياسيين المباشرين – من امثال سولجنيتسين او بوكوفسكي.

* روايتك ((المتسكعون)) هي اكثر اعمالك شهرة و حزناً. ما مقدار تصويرها لتلك الفترة من حياتك؟

- تم تأليف هذه الرواية في تلك الفترة بالذات، و قد ساعد غياب كل انواع الرقابة، بما في ذلك الرقابة الداخلية على تكوين هذه الرواية، التي عالجت اكثر القضايا المؤلمة للحياة البشرية، التي عادة ما يتهرب الانسان من الحديث عنها. الحقيقة ان التعبير لم يكن حرفياً – لأنها كانت رواية فنية و ليس عملاً وثائقياً. لكن كانت توجد فيها نماذج اصلية. و تم عرض المواقف في الرواية بصورة فنية، و كما هو الحال في الادب فقد تم ذلك بصورة حادة اي ان هذه المشاكل كانت موجودة بالفعل لكنها لم تكن موجودة بهذا الشكل المكشوف الشاذ المفضوح كما هو في هذه الرواية. و كان وقعها قوياً لان كل شيء فيها تم تضخيمه و تم تسليط الضوء على كل الجوانب المعتمة.

* اقتبس لك هذا القول:(( يذكر معارف ماملييف في الستينات انه كان لا يختلف عن ابطاله. فالخوف من الموت و الادمان على المشروبات الكحولية، و شكل الحياة البوهيمي و تأرجح الابداع قد اضعفت اعصاب الكاتب. و انه كان يصور ابطاله الفضيعين من واقع حياته)).

- هذه، طبعاً حقيقة، و لكنها حقيقة سطحية جداً و ناقصة. لأنه أولاً، اعذريني، عمّا يقول كاتب المقالة، ففي تلك الفترة كانت روسيا كلها مدمنة على الكحول و نحن لم نختلف عن الاخرين في هذا المجال. ثانياً، في ما يخص ضعف اعصابي، فهذا غير صحيح البتة: فالكاتب عندما يؤلف نتاجاً ادبياً، على العكس، هو يقوى روحياً – و يحدث له التنفيس الروحي المعروف في علم الجمال. و لهذا فعندما تصف الشر ذلك لا يعني انك منغمس فيه بل انت تتطهر منه. اذن فذلك لم يكن ضعفاً في الاعصاب لا من جانبي و لا من جانب الاخرين.

* أنت نفسك قلت في احدى المرات ان: ((هذه الروايات قد ألفتها في قبو عميق في موسكو و كتبتها في جو من اليأس عندما كانت مل الامال تبدوخائبة بما في ذلك الايمان بالخلود...)).

- نعم، بكل تأكيد. هذا وصف فعلي دقيق لذلك الوضع، و الكاتب بطبيعة الحال لا يشبه ابطاله ابداً بصورة كاملة اي ان الكاتب دائماً ما يسمو فوق ابطاله و الاّ افأنَّه لا يستطيع ان يخلقهم لو كان حاله مثلهم. على الاقل كانت توجد في حياتي العملية غربة من نوع خاص: فربما اني كنت هاديء بعض الشيء أو متحمساً أحياناً و لكني مراقباً لما يجري، أي أني كنت في حالة دراسة و بحث – و الفن كان عندي يؤدي، على الاغلب، دور الادراك، ادراك لهذه الاعماق غير الاعتيادية للنفس البشرية. و هذا هو نهج دوستويفسكي بالذات.

* أنك تصوّر في ((المتسكعون)) العالم و كأنه جحيم و الناس مسوخ. فالكثير من ابطالك الشاذين اما قتلة مرعبون او ساديون بشعون. مفهوم بلا شك ان هناك اشكال مختلفة لأستيعاب ابطال نتاجاتك الادبية فهل شعرت مرة، باعتبارك مؤلف، بالتقزز من ابطالك؟

- نعم، و لكن ليس التقزز ... و الغالب ان هذا لا يقتصر على ((المتسكعين)) فقط بل يشمل كذلك القصص الاخرى، انا كما قلتي انت، على مستوى مباشر اعتيادي ربما كنت اشعر بالفزع مما كتبت. هذا في الحالة الاعتيادية ة لكني افهم انهم، كما يقال، قرابين يضحي بهم عادة الاديب عندما يعمل بالفن.

* فهل يعني هذا انك كنت تكتب نصوصك في وضعٍ خاص؟

- بكل تأكيد لم يحدث ذلك مطلقاً! و لم تشمل هذه الحالة اي إدمان ما على المخدّرات او الكحول. اعتقد انه لا يمكن في هذه الحالة تأليف شيء ما. كلا، انها كانت حالة قريبة من التأمل. إذ أني متخصص بالأمور الهندية، ثم اني مدرس الفلسفة الهندية و دائماً ما كنت مهتماً بالشرق. لم تكن المسألة سوى حالة رايت فيها هذه الزوايا الغريبة و غير الاعتيادية للنفس البشرية التي لم تكن اعتيادية. لهذا فاني قد دخلت في هذه الحالة ثم خرجت منها.


* عندما تكتب، هل تستغرق في هذه الحالة عدة ساعات؟

- نعم، تقريباً. في البداية كان صعباً الدخول في هذه الحالة ثم صار طبيعياً. و كنت استغرق فيها ساعتين او ثلاثة ساعات. عادة لا استمر في الكتابة اكثر من ثلاث ساعات. ثم اكون قد خرجت منها بشكل ما و لكن فيما بعد كان سهلاً الدخول في هذه الحالة، لأنها كانت طبيعية بالنسبة لي.

* لماذا تلزم نفسك بعرض مختلف انواع الشر الاكثر وحشية و ضلامية؟ الدمار لديك ذو طابع فلسفي و ميتافيزيقي، اليس كذلك؟

- نعم، بكل تأكيد. و لكن يجب القول ان رواياتي الاخيرة ((الزمن الضال)) و ((العالم و القهقهة)) و الرواية الاخيرة ((الاخر)) تعتبر مغايرة لـ (المتسكعين)) ان ((الزمن الضال)) بمضمونها الفلسفي و بفلسفة ما بين السطور فيها هي جواب على التساؤلات التي طرحت بصورة حادة في ((المتسكعين)). هناك فيها النور و الامل و فيها الايمان. اما تلك الحقبة المدمرّة فكانت ضرورية. هل تعرفين ان هذا يذكرني بطقوس الاستهلال عندما تكون مجبراً في البداية على الانغماس بالصورة السلبية للعالم و بحالته السلبية و من ثم تستطيع الخروج من هناك الى الامل و النور و الصفاء و هذا الطريق للوصول للنوراعتيادي في الشرق.

* هل ترى امكانية اعتبار رواياتك ((المتسكعون)) و ((الزمن الضال)) و ((العالم و القهقهة)) ثلاثية؟

- ربما و نعم، من الناحية الفلسفية. رغم ان رواية ((الزمن الضال)) كتبتها في روسيا اما ((المتسكعون)) ففي الاتحاد السوفيتي. و لكن بلا شك يوجد خيط يمكن ان يربط بينها و ربما تبدو ثلاثية تجري فيها الاجابة المتدرجة على تلك المتاهات التي تمت الاشارة لها في ((المتسكعين)). و كما قال الكاتب امريكي المعروف جيم ماكونكي ما معناه ان كتاب ((المتسكعين)) قاتل بهزله لكن محتواه غيبياً.

* يبدو لي انه في هذا العالم الخيالي المضحك الغريب ((للمتسكعين)) تحمل كل شخصية في ذاتها تقريباً سؤالاً مفرداً – وحيداً: هو ما هي حدود ما بعد الموت؟

- نعم، ما هي حدود ما بعد الموت؟ و لكن هناك توجد ايضاً حالة مهمة اخرى، اذا تحدثنا عن المضمون الفلسفي الا و هي الاحساس بالعالم كوهم. و كما كتب الامريكان عن فيدور سومنوف، هذاالشخص يقتل لأنه يبحث عن الخلود. مفهوم انه كان يرى هذا العالم وهماً و كان يصلي من اجل، ارواح من قتلهم هو بنفسه.

- لديك ايضاً رواية ((واقعية)) هي ((المناورة المسكوفية)). فكم هي وثائقية؟

- انها رواية واقعية تماماً. و هي وثائقية لدرجة كافية و لكن رغم ذلك هي نتاج ادبي. و فيها بالذات تم وصف حالة يوجينسكي و الصالونات الثقافية الاخرى في موسكو. و الشخصية الفنية الوحيدة هي شخصية البطل الرئيسي الكسندر تريبيتوف – و ما هي الاّ تركيز للبحث الروحي كله الذي كان يجري هناك. و الشخصيات فيها هي نماذج حقيقية و هذا الشي واضح كل الوضوح.

* كيف كانت فترة شبابك السوفيتية؟

- كان شبابي، بشكل او اخر، عادياً للانتليجنتسيا السوفيتية في ذلك الزمان: والدي كان مختصاً بعلم النفس و امي خريجة كلية الجغرافيا، جامعة موسكو. عشنا، حسب المعايير السوفيتية ، بصورة جيدة نسبياً في الثلاثينات، و لكن والدي أُعتُقِل لأسباب سياسية (حسب المادة 58 التي على ضوءها زجوا بالسجون كل ذوي المعتقدات اللاسوفيتية). و قامت والدتي بتربيتي اثناء الحرب و بعدها، و طبعاً كان الوضع صعباً. و لكن كانت تساعد والدتي اختها التي كانت بروفسورة مختصة بالامراض النسائية، و زوجها جوروف اسحاق سولومونوفج الذي كان كذلك بروفسوراً جراحاً و مخدراً. هذه هي العائلة التي ساعدتنا و ساعدت والدتي على تربيتي.

* كان والدك في تلك الاثناء في معسكرات الاعتقال؟

- نعم، والدي توفي في تلك المعسكرات. هكذا كان الحال.

* قلت ان والدك كان مختصاً بالطب النفسي و اقاربك كذلك اطباء. فهل اثر ذلك بشكل ما على ابداعك و عليك باعتبارك كاتباً؟

- نعم، يمكن القول، ان ذلك كان له تأثير لأن اقاربنا و اصدقاء عائلتنا الاخرون كانوا ايضاً اطباء و اطباء نفسانين. و عرفت من خلالهم الكثير من الحالات غير الاعتيادية، التي وصفتها فيما بعد في ((المتسكعون))، بما في ذلك الولد، الذي كان يصنع الحساء من جمسه. اي اني عرفت العلاج النفسي من كتب والدي، و لكني لم اكن مهتماً بالجنون الفعلي، اي مجالات الشيزوفرينيا و الكآبة بحد ذاتها. لأن هذه الحالات هي امراض واضحة للعيان فلم اهتم بها. و لكن التي اثارت اهتمامي هي تلك الحالات التي لا يكون فيها الانسان مريضاً بمعنى الكلمة بل على حافة المرض كما يقال. اي الحالات النفسية التي يكون فيها الفرد على الحد بين الصحة و الجنون لان هؤلاء الافراد بالذات لا يخافون و لا يستطيعون ان يخفوا ما يخفيه الانسان الاعتيادي.

* هل توجد بعض نتاجات الادب السوفيتي التي مازالت تمثل لك اهمية ملحة؟

- انت تعرفين ماذا يعني مصطلح الادب ((السوفيتي)). فلو اخذنا على سبيل المثال بولغاكوف و بلاتونوف الذين عاشوا في الحقبة السوفيتية لرأينا انهم في الواقع كتاب روس من روسيا لأنهم تربوّا في فترة ما قبل الثورة. و ان ابداعهم هو اسمترار حقيقي للكلاسيكية الروسية. او نأخذ ادب العشرينيات مثلاً ((بيلنياك)) انه تماماً غير سوفيتي. و حتى الكسي تولستوي و غوركي، كلهم كانوا استمرار لكلاسيكية الادب الروسي. الادب السوفيتي بمعناه الحرفي بدأ بعد الحرب عندما غادر هذا الجيل الحياة، و ربما هنا لم يظهر ما يثير اهتمامي في الادب السوفيتي. القضية الاخرى هو ظهور نتاجات الادب غير الرسمي في هذه الفترة مثل اشعار غوبانوف و ادب برودسكي و سولجنتسين. و ظهر كذلك، و لازال يعجبني، فينيتشكا يروفيف بملحمتهِ الخالدة التي يسميها الفرنسيون ((الياذة الادمان الروسي)). و تعرفت على يروفييف شخصياً و كان قريباً من حلقتنا في يوجينسكي. قرأت هذا الكتاب مستنسخاً باليد عن طريق اصدقائه المقربين، اثار هذا الكتاب انذاك انطباعاً عميقاً و محركاً للعواطف.

* كيف بدأت الكتابة؟

- كان عندي ميل واضح للادب و الفلسفة و قد لاحظ المدرسون ذلك في المدرسة. و لدينا في المدرسة مدرس الفيزياء يفغيني رودولفوفيج و هو شخص ذو اطلاع موسوعي من جيل ما قبل الثورة القديم. لم يتمكن من التدريس في المعاهد العليا السوفيتية بسبب اصوله فأخذ يدرَّس عندنا رغم انه كان يعرف الفيزياء بصورة فريدة. و هو شخص مثقف. و نصحني قائلاً: ((يورا لا تذهب، بأي حال من الاحوال، للدراسة في المعاهد الانسانية، اولاً لأن التقديم لها بسيط. و السبب الثاني، ان الادب دائماً هو بحر مجهول، الافضل لك ان تحصل على اختصاص معيين تستطيع ان تأكل خبزك منه...)). اقاربي كذلك نصحوني ان لا اجازف بالتقديم الى معهد للدراسات الانسانية لا سيما ان والدي كان معتقلاً. فكان لا يفرق عندي التقدم الى اي معهد فني فدخلت معهد تقنية الغابات. هذا ما حدث. و الحق اني مُنِحْتُ عند انهاء الدراسة في المعهد شهادة مهندس، لأني درست في كلية زراعة الغابات حيث كنّا ندرس كذلك الرياضيات و الفيزياء. و هذه الشهادة منحتني الحق بتدريس الرياضيات لأن القانون السوفيتي كان يسمح للمهندس ان يُدَرَّس في المدرسة الثانوية الفيزياء و الرياضيات.

* كيف عشت في زقاق يوجينسكي و قمت بتدريس الرياضيات، هل تعرضّت للملاحقة؟

- الحقيقة كان الجميع تحت المراقبة، و هذا طبيعاً. فلجميعنا اهل الفن غير الرسمي (من كَتَبَ او عرض لوحاته) نظمَّت ملفات غير رسمية. و كانوا يجمعون المعلومات عن مثل هؤلاء الاشخاص بما في ذلك من كان يشاهد هذه المعارض اي جرت عمليات استجواب. حدثني فيما بعد من تم استجوابه انهم كانوا دائماً يسألونهم عنّي: من هو و ما هي نتاجاته و غيرها من الاسئلة، لكن لم يجري استجوابي لأنهم كما قالت لي احد قرّائي انهم لم يتمكنوا حسب كلامهم ان ((يفهموا، من هذا هذا الشخص و لماذا يكتب مثل هذه النتاجات؟ لا توجد في نتاجاته سياسة. نحن نعتقل الاشخاص عندما يكون عندهم شيء ملموس: عندما نعرف ماهية الشخص و نعرف بماذا نواجهه)). و لهذا كان رد فعلهم بهذا الشكل.

* لماذا اتخذت قراراً بمغادرة البلاد عام 1974؟ و كيف تركوك تغادر؟

- تركوني لسبب بسيط: هو ان في تلك الفترة كان يوجد موقف غير علني يسمح لما يسمون بمخالفي الرأي بمغادرة البلاد سوية مع المهاجرين اليهود. و كان ذلك متنفساً بسيطاً لم يشمل فقط المخالفين السياسيين مثل سولجنيتسين و ماكسيموف و سينيافسكي بل حتى كل الكتاب المنشقين و الرسامين الانعزاليين الذين نظمت لهم اضابير في الاجهزة الامنية و كانوا مشهورين في الاوساط الفنية غير الرسمية. و بهذا الطريقة كان يمكن مغادرة البلاد. و لو جاءهم شخص غريب غير معروف لهم فسوف لن يتعرّض الاّ
لبعض المضايقة. و قد غادر في الواقع رسامون من امثال شيمياكين و اصدقائي تسلكوف و اوسكار رابين. هم رسامون فحسب لم يكونوا سياسيين ابداً. و لكن تم السماح بالمغادرة لكل من اطلق عليهم ذوي الافكار المغايرة بالفن. كان يمكن المغادرة لهؤلاء بل يستحب ذلك لهم.


* اذن العملية كانت بسيطة و لكن القرار، ربما كان صعباً ؟

- نعم، العملية كانت سهلة لأنهم كانوا يحاولون التخلص منا. و القرار كان صعباً طبعاً. فكرنا في البداية ان نعيش في الاتحاد السوفيتي و ننشر في الغرب، و لكن في تلك الفترة ظهر قانون يعتبر نقل مخطوطات الثقافة غير الرسمية الى الغرب، دون علم الهيأت الرسمية جريمة جنائية. رغم ان هذا القانون لم ينفذ بكل حذافيره. لكني و زوجتي، بعد صدور هذا القانون، رأينا ان الامر تجاوز حدّه لأن الكاتب يجب ان ينشر اعماله اثناء حياته. و لهذا السبب تمت مغادرة الكثير من الكتاب و الفنانين للاتحاد السوفيتي في تلك الفترة.

* يبدو ان النقاد يخافون نتاجاتك، و بدلاً من دخول عالم الكوابيس هذا، نراهم يلمزونك بمختلف الالقاب مثل: اللاعقلاني السوداوي، و اللامفهوم، السريالي... و اليوم انت نفسك تقول انك تنتسب الى الواقعية الغيبية. فهل هذا اتجاه جديد في الادب الروسي؟

- نعم، هذا اتجاه جديد تماماً في الادب الروسي. و قد اسست ذلك على مستوى فلسفي في كتابي ((قدر الوجود)) في الفصل الاخير ((غيبية الفن)). تكمن المسألة في ان عناصر الغيب، اي ما وراء حدود العالم المرأي تدخل في الحديث الواقعي بالذات، بأدق معاني هذه الكلمة. هذا يرتبط بحدس الكاتب و بمعرفته بالتقاليد الروحية، و بمعتقداته الشخصية او بعقائده. و لكن هذا يستثني الخيال. لأن المسألة كلها تكمن في ان هذا مبني على معارف معيَّنة تراكمت عند البشر عن هذا المجال بهذا الجانب و عن حدس الكاتب الشخصي. و كان الاحداث تجري على الجانبين كليهما – هنا و هناك. هذا مبدء الواقعية الغيبية. لكن لا تجري الاحداث في عالم الغيب بالمعنى الحرفي بل من هناك يجب ان تأتي رؤى – ما و شعاع – ما ... الخ.



* كتب احد النقاد: ((يبدو لي ان ظاهرة ماملييف الاستثنائية ستبقى تعذب اهل الادب لسنوات طوال. طبعاً لا يجرؤ احد على تناول مثل هذه المادة غير المفهومة)). فهل توجد مقالات نقدية لنتاجاتك قد اثارت اعجابك؟ او هل غالباً ما تشعر انهم لا يفهونك؟

- كلا، كلا. انهم يفهمون بصورة ممتازة و لكن، ربما، لا يفهمون للنهاية لأنه كماقلت انت ان في نتاجاتي عدة مستويات. و لكن الان صارت تكتب رسائل ماجستير، كما سمعت، في الغرب. و قد ارسلت لي احدى الفتيات من ألمانيا اطروحة رائعة، و كذلك من أيطاليا من جامعة فينيسيا. ان النقد العام في الصحف متنوع فربما يكون عاطفياً جداً او يحاول التغلغل في اعماق المادة. النقاد الآن كثيرون. و عندي اضابير كاملة باللغات الفرنسية و الألمانية و الانكليزية و الايطالية و الروسية. و لكن ليس فيها فطنة علمية للامر. انه نقد عاطفي و حتى انه احياناً يستند بصورة كبيرة على احاديثي الصحفية التي احاول فيها بطريقة ما توضيح نتاجاتي. حيث تصبح مفهمومة على مستوى ما معيّن. لدي الكثير من القراء من بين الشباب الذين يتعصبون لي (و لا اخاف ان اقول هذه الكلمة). و يحبون نتاجاتي و يتأثرون بها و تحدث لهم بعد قرائتها تأثيرات مختلفة: مثلاً اراد شخصان روسيان موسيقيان يقيمان في برلين في التسعينات ان ينهيا حياتهما بالانتحار. و قد قاما بالتناوب بقراءة رواية ((المتسكعون)) في ليلة واحدة (حصلا على الكتاب بالصدفة)). و قد ترك الكتاب لديهم انطباعاً بحيث قالا: ((سوف لن نقوم بالانتحار لأن الحياة خيالية و رائعة لدرجة لا نريد معها الموت)) اي ان هذه الرواية الكئيبة تركت تأثيراً عكسياً – التنفيس بالفن. و سمعت ان هذا يحدث في الكثير من الحالات. و قد يثير النفور، طبعاً، عند البعض حيث يقولون: ((انا لا استطيع قراءة هذا – لأنه سيدمرني)). و البعض الاخر يقولون: ((نعم، هذا فعلاً شيء ضلامي لكنه معمول بهذا الشكل لكي تقوم قوة الفن نفسها بأحداث التأثير الطيب)). اما غيرهم، كما هو حال الموسيقيين، سيقولون: ((كلا، أن هناك في العمق يوجد ما يجبر الانسان على العيش)). فعلاً ان الحب للوجود فيها قوي جداً. لماذا هم يبحثون عن الخلود؟ لأنهم يريدون ان يعشون بصورة ابدية. و هذا ليس ما يدمر الحياة: انه اليأس، لكنه يمثل كذلك بحثاً ما عن الحياة الابدية. تكمن في اساسه الرغبة بالعيش و تمني الخلود.

* تدور احداث رواياتك، دائماً، بأماكن مهجورة و غريبة في اطراف موسكو في المراحيض او اماكين تجيع النفايات – في اوساط المُهَمَّشين. ربما لا توجد الآن في ضواحي موسكو مثل هذه الاماكن؟

- كانت هذه الاماكن موجودة في الاتحاد السوفيتي. بينما روايتي الجديدة ((الاخر)) تصف الروسي الجديد و بيته الفخم. ابطالي صاروا يعيشون في وضع غير مهمّش بل على العكس في غنى. هذا الحال الاول. اما الحال الثاني – هو اني في ((الزمن الضال)) و ((العالم و القهقهة)) لم اتناول اهمال هذه الاماكن بل تناولت موضوع عزلتها. فهذه البيوت ربما تكون ملائمة لكنها منعزلة. و مثل هذه الاماكن موجودة حتى الآن: فقد يوجد بيت منعزل في مكان ما، مثلاً، في اطراف المنازل الصيفية ... قرب مناطق تجميع النفايات...

* انها بيئة شاذة – كما في الاحلام، شيء ما سوريالي...

- نعم، انها بيئة شاذة نوعاً ما. فلو قرأت بعض ذكريات الجنود الألمان الذين وقعوا في الاسر في روسيا في الحرب العالمية الثانية لعرفت ان كل هذا الوضع السوفيتي كان بالنسبة لهم يبدو كابوساً اثناء النوم او منظراً سريالياً. حيث ان الكثير مما هو سريالي من وجهة النظر العامة يبدو في روسيا واقعياً.

- تجري في ((المتسكعين)) و في بعض قصصك القصيرة مقابلات مهمة لأشخاص من السوقة مع ممثلي الانتليجينتسيا (الطبقة المثقفة).

* نعم، مثل هذه اللقاأت موجودة و تحدث الى الآن. و يتم في روايتي الجديدة (الاخر)) وصف مثل هذا اللقاء. و حتى الآن تجري مثل هذه اللقاأت عندما تلتقي بعض العناصر المهمّشة في الحانات او في بعض الاماكن الاخرى مع الانتليجينتسيا. و بعض هذه اللقاءات طريفة جداً رغم اني لا اعني بالسوقة المجرمين او المتحجرين، كما يقال عندنا، بل من هم على الحافة. لماذا هذه اللقاأت مهمة للانتلجينتسيا ؟ و لماذا اولئك يهتمون بالفن ؟ لأنهم غالباً ما يكونون متقاربين من بعضهم. فأما ان يكون الناس البسطاء (السوقة) غير اعتياديين تماماً – لأن روسيا ليس فيها فرقاً اجتماعياً كما هو الحال في الغرب. فربما يكون شخص روحاني جداً في الحضيض الاجتماعي. فقد تحدثت في احدى المرات مع شاب بسيط عسكري شارك في الكثير من النقاط الساخنة. و كان شخصاً بسيطاًاعتيادياً. و سألته ((كيف استطعت ان تبقى حياً هناك؟)) اجانبي ((لقد قرأت اعمال بلاتونوف)). و قد دُهِشْتُ لذلك.

* لقد كتبت خلال فترة حياتك الكثر من القصص، ربما، المئات من القصص. فمن اين تستمد مواضيع قصصك؟

- قد يكون مضمون القصص مروي، لكن ليس من الصحف، و كان دوستويفسكي يأخذ احياناً مواضيع حتى من الصحف، كما تعرفين. و ربما تكون حكاية من شخص ما في لقاء عابر...

- وهكذا يبدأ الموضوع؟

* هذا فقط يعطي حافز للكتابة. فلو اخذنا قصة ((العالم الكبير)) التي يلقي بها شاب بنفسه من الطابق الخامس الى الاسفل نتيجة جدال. فكيف تولدت هذه الفكرة؟ كنت انذاك اعمل مدرساً في مدرسة الشباب العامل (هكذاكانوا يسمون مدارس اليافعين الذين لم يكملوا الثانوية بسبب إلتحاقهم بالعمل). دخلت الصف في احدى المرات و لاحظت غياب احد التلاميذ و سألت الشباب عن سبب غيابه. فذكروا لي الحادثة التي جرت له! حيث انه تناول الكحول مع احد الاشخاص و تراهن على ان يلقي بنفسه من الطابق العلوي ففعل ذلك و كان مرتدياً المعطف. و تكسر حتى الموت و طبعاً دُهِشْتُ جداً و كذلك زملاؤه. و فكرت هل كان هو مجنوناً؟ لكنه لم يترك عندنا انطباع بالجنون. و هكذا على اساس هذه الحادثة و تفسيرها كتبت قصة ((العالم الكبير)). و رغم اني لم اغير موضوع و مضمون الحكاية لكنّي تناولت في الكتابة الجوانب الباطنية النفسية و السايكولوجية و الغيبية لهذه الحادثة الغريبة.

* أرى ان القصص القصيرة بالذات تعرض بصورة رائعة التغيرات في ابداعك: فماملييف الشاب هو دائماً هزلي و عنيف، بينما ماملييف الناضج هو جدي و اكثر حزناً. فكيف تتصور انت هذا التطور؟

- الحقيقة ان البداية كانت كما يجب، فقد بدأت بقصص الحياة اليومية. و قدمت في الطبعة الألمانية لقصصي الكثير من الاشياء المبكرة لأنها مرحة و هزلية. و بعد ظهور الانطباعات الجدية- الفلسفة و لقضايا العميقة - تغيّر الامر تماماً. لكن النتاجات الاخيرة خاصة تلك التي يضمُّها كتاب (الآخر)) يدخل فيها مبدء كاتارسيس (التنفيس بالفن) بصورة اكثر و صارت فيها استنارة عقلية. و يمكن ان تقول بعبارة ابسط ان الكثير من الحالات و ان كانت مبنية على اساس القصص المتشائمة لكن النور فيها واضح للعيان. مثلاً الكتاب الجديد يحتوي على مجموعة قصص تبدأ بقصة ((أمسية فكر)). الموضوع مأخوذ من الحياة اليومية: يدخل قاتل و سارق الى شقة معتقداً ان اصحابها غير موجودين. لكنه يُخطيء حيث يعثر في الشقة على شخصين في منتصف العمر، في الاربعين من عمرهما. يظهر انهما ضعيفان. فيقوم بقتلهما كلاهما الرجل و المرأة. و كان يضن ان لديهما ثروة: نقود و ذهب. المهم انه قتهلهما. لكن القضية تكمن في خروج طفل عمره خمس سنوات بعد ذلك من الغرفة الأخرى. و جرى ذلك قبيل عيد الفصح. خرج الطفل و لم يفهم شيئاً، لأنه لم يسمع اي شيء، لأن القاتل نفذ جريمته بسرعة و بهدوء. خرج الطفل و قال للّص: ((قام المسيح)). أحدث ذلك تأثيراً مرعباً على القاتل بحيث فقد وعيه. و لا اعرف ماذا جرى له بعد ذلك. لقد قصوا عليّ هذه الحكاية، لعله تم اعتقاله فيما بعد لكني استمريت بالقصة بحيث ينجو القاتل على كل حال و في النهاية يلتقي بذلك الطفل الذي قال له: ((قام المسيح)).

* كيف تمثلت لك عودتك الى الوطن من المهجر؟

- لقد كنا نعيش في نفس الوقت في فرنسا. عندما جاء غورباتشوف الى السلطة و بدأ البريسترويكا و من ثم جاء يلتسن، اعتذروا منّا نحن المنشقين و قالوا لنا أننا نستطيع العيش حيث ما أردنا في فرنسا، في ألمانيا، في امريكا و لكن نستطيع ان نعيش كذلك في روسيا. لقد كانت العودة مذهلة للجميع، طبعاً، لأنه في تلك الفترة جميع الناس تقريباً الذين عاشرتهم بمافيهم الاقارب كانوا احياءاً. بأستثناء البعض، الذين من بينهم الشاعر غوبانوف. و تحدث لك صعقة، طبعاً، عندما تشاهد، بعد خمسة عشر عاماً، الناس الذين قضيت معهم سوية الكثير من الوقت. و كذلك زوجتي كانت مندهشة لأن والدتها عاشت هنا. و كان كل شيء على ما يرام – و صار اللقاء جديداً. بينما شاهدنا على المستوى الاجتماعي ان البلد أصبح شيئاً أخراً: فقد كان في ذلك الوقت كل شيء يغلي حيث كانت تجري المظاهرات و اللقاات و غيرها. أما في الستينات فكانت اغلب الانتليجينتسيا سوفيتية و تخدم السلطة السوفيتة. الجميع حتى باسترناك كتب عن ستالين ناهيك عن الكتاب السوفيت الرسميين. و فجأة شاهدنا كل شيء قد تغيَّر: صارت الانتليجينتسيا تشبه الفئة الضيقة للانتليجينتسيا في الستينات بنفورها من الشيوعية. الموقف تغيَّر تماماً.

* انت اليوم كاتب لك محبيك و تعتبر زعيماً لمدرسة الواقعية الغيبية التي تحدثت عنها أنفاً. حتى انه يوجد ((نادي الواقعية الغيبية)) التابع لدار الادباء المركزية. فما هو العامل المشترك لدى اعضاء هذا النادي؟

- يعتبر سرغي سيبيرتسيف مؤسس كل هذا. يضم هذا النادي كتاباً مشهورين في روسيا مثل اناتولي كيم و فلاديمير ماكانين و اخرين.
قال كتاب جُدُد بما فيهم اولياسلافنيكوفا اذا ما وجد شيء جديد يغني القصة الواقعية فأنهم على استعدا للانضمام لهذا النادي لأنهم يريدون تطويره. اي انهم لا يريدون ان يبقوا هذا الاتجاه و هذه النزعة على حالها و هم يسعون الى الانظمام اليّ و الوقوف تحت رايتي. لكن الاهم في هذا انهم شباب. و كلهم اسماء معروفة و هم كتاب رائعون يعبرون عن الحالة الغيبية بصورة قوية جداً و مباشرة. و قد صدر عن دار النشر (أكات)) مجموعة قصص لكتاب شباب ذوي الاتجاه الغيبي. و هناك مجموعة اخرى يجري الاعداد لنشرها. إن قرائي و مُحبّي نتاجاتي هم بالاساس الشباب.

* لكن لديك ايضاً وريث في الادب و هو في العمر اكبر من الشباب قليلاً. انه فلاديمير سوروكين.

- ان حالة فلاديمير سوروكين لها خصوصيتها فهو لحد الآن لم ينظم الى حركتنا. هو نفسه يقول انه يعتبرنفسه تلميذي. لكنه يبقى مستقلاً و نتاجاته هي ادب له خصوصيته.

* لقد أعيدت لك الجنسية الروسية في عام 1991 و حصلت في عام 2000 على جائزة بوشكين المشهورة. فكيف تقيّم استيطانك و عملك في روسيا اليوم؟

- إنا اعمل بصورة اعتيادية و لكن الادب دائماً مرتبط بحالة دراماتيكية معينة. فنحن دائماً ما نتواجد في اوربا بما في ذلك فرنسا و ألمانيا. و انا أعتقد أن زماننا هو زمن التوحد و التقارب و لكنّهُ دراماتيكياً بما فيه الكفاية




ليست هناك تعليقات: