بحث هذه المدونة الإلكترونية

مرات مشاهدة الصفحة في الشهر الماضي

الثلاثاء، 6 أكتوبر 2015

في الخزف العراقي المعاصر عبلة العزاوي جذور التحديث وخصوصية الأداء-عادل كامل









في الخزف العراقي المعاصر
عبلة العزاوي
جذور التحديث وخصوصية الأداء




عادل كامل


[1]




عبلة العزاوي 2015

   ربما آخر من تعنيه، أو تهمه، هذه الكلمات، هي الخزافة الرائدة عبلة العزاوي ( ولدت عام 1935 في بغداد)، فإذا لم تكن تأمل أو تنتظر رحيلها ـ بدل انتظاره في عزلتها شبه التامة  ـ فإنها غير مكترثة لكلماتنا، حتى الصادقة منها والموضوعية، ليس لأنها أدت ما كان عليها أن تؤديه، بل لأنها لم تعد منشغلة بالخسائرـ والمكاسب، إزاء أسئلة لا إجابات عليها..!
    وحيدة، ربما حتى إنها انفصلت عن (ذاتها) بعد أن أتعبتها العزلة، وأتعبها الفراغ، والإهمال، أو للقاء زميل أو جار أو عابر سبيل، فمنذ غمرها العمل الخزفي لعقود طويلة، أي منذ تلقت أولى كلمات الفنان جواد سليم، في خمسينيات القرن الماضي، عندما كانت طالبة في معهد الفنون الجميلة، بالبهجة والأمل، عندما أكد لها سلامة اختيارها لفن الخزف، فن استنطاق الطين، وسماع ما يكتم من مشفرات وأصداء وأزمنة،  سمح لها أن تكمل دراستها في فرنسا، متحدية نفسها، قبل أن تتحدى الآخرين.  فلم يعد يعنيها ما يقال عنها، حتى بعد أن أغلقت مشغلها، وقاعتها، وتخلت عن صناعة علاماتها البغدادية، الجمالية، والسحرية، من ثناء أو إهمال! ربما ستكون سعادتها الوحيدة، ليس في امتداد العمر، بل بوضع خاتمة له؛ لرائدة حفر اسمها مع رائدات كنزيهة سليم، مديحه عمر، سهام السعودي، ليلى العطار، بهيجة الحكيم، نعمة محمود حكمت، وداد الاورفلي، سعاد العطار، بتول الفكيكي، فرح عدنان، مهين الصراف، نهى الراضي، وسماء  حسن، جنة عدنان، وغيرهن..

مع الكاتب/ 2015

   فهل هو مصير تنفرد به عبلة العزاوي، أم انه تتمة لـ (نموذج) يماثل مصائر النساء اللائي نذرن حياتهن للإبداع الجمالي، الثقافي...،  مؤكدة ـ بشكل أو آخر ـ إن حقوق المرأة ، في بلدان اختلطت فيها أصوات الموت بأصوات أخرى لا علاقة لها بالحضارة، والتنمية، والمثل النبيلة، إن غابت هذه الحقوق، فلا حقوق للطفل، ولا حقوق للرجال، وللمجتمع بأسره.
   والغريب إن منظمات المجتمع المدني، والمنظمات الخاصة بالمرأة، والحقوق، والجمعيات المكلفة ـ من المجتمع أو من الحكومة ـ  برعاية الإبداع والمبدعين، ولسنوات غير قصيرة، تكاد تكتفي بالشعار، وبالاسم.  فهل نوجه اللوم لها، لأنها عادت إلى مدينتها، بغداد، ولم تختر فرنسا، مثلا ً، للإقامة، والتمتع بالحقوق، أم نلومها لأنها انشغلت بأقدم فن عرفته الحضارات الإنسانية، أم نلومها لأنها وجدت مصيرها (المعزول) مكافأة لها...، وهي تتعامل معها بلا مبالاة، بل وبصمت، وبقناعة إن العدم ليس إلا وجها ً للحياة، وان الحياة ليست إلا امتداد  للعدم!
     فعندما كنت أتحدث معها، تذكرتني بصعوبة، وقالت:
ـ لِم َ تتعب نفسك!
ولكنني تذكرت إنها ـ قبل عام ـ كادت تتيه وهي في طريقها لزيارتي في بيتي، على بعد لا يتجاوز الخمسين مترا ً، لأنها حلمت ورأتني تعرضت لكسر في ذراعي....، فقالت:
ـ أنت أستاذي!
والغريب أيضا ً وأنا أتحدث عن تجربة النحات عبد الجبار ألبنا انه نطق بها (مواليد 1924)، وفاء ً لا أكثر ولا اقل...!
    أعود أتساءل إذا كان مصير خزافة رائدة يغدو بلا معنى...، كمصائر مبدعات عراقيات واجهن قدرهن بالصبر ذاته الذي جعل من أيوب السومري رمزا ً مزدوجا ً لتحمل أوزار لا ذنب له في تحملها، أو للمعنى ومشفراته العصية على التفكيك...، وذلك لأن خزافة كبيرة مثل عبلة العزاوي،  لأنها نموذجا ً للمبدعة نراه يغيب عنا، من غير اكتراث، أو مبررات، عدا الإهمال، والعقود.
   فهل (المصيبة) إذا عمت، كما في المثل، خفت...؟
   لأن تذكر أسماء عشرات اللائي ـ وفي زمن ازدهار الفضائيات ومواقع التواصل وغيرها ـ أرغمن على تناول السم الذي ارتوى منه سقراط، وليؤكد أن اللغز العنيد هذا الذي سمح للإهمال واللامبالاة والقسوة ...، نظاما ً للتعامل مع العلامات الخلاقة، ومع رموز الحياة... فهل هذا كله هو قفا: الشفافية والديمقراطية والحرية، أم وجهها...؟


[2]



ألحارثي مع عبلة العزاوي 2012


* إشارة
    [ لم تصدم الخزافة عبلة العزاوي (1935) بنشر خبر رحيلها، وكأنه وحده أعاد إليها الحياة! فالخزافة، منذ عقدين، لم تعد مشغولة بالطين، وبهموم الفخار والخزف، أو بالحياة الثقافية. لكن نبأ وفاتها لم يسمح لها بالدفاع عن حياتها، وعن عزلتها، وتخليها عن قاعتها، وتوزيعها لممتلكاتها الفنية، فحسب، بلا لأنها ـ كمثال لزميلاتها وزملائها ـ لم تجد إلا القليل الذي يبقيها على قيد الحياة.
  حتى إن الفنان المسرحي الكبير د. حمودي ألحارثي، في زيارته لي، صدق الخبر، ولكن ما أن حدثته عنها ـ كجارة لي وشريكة عنيدة في اختراع الرموز الجمالية ـ إلا وطلب مني أن نذهب معا ً إلى زيارتها.
إنها، كجسد، قالت لنا: مازالت تنتظر اللحظة التي لا مناص أنها شبيهة بالتي جاءت بها، للحياة، أن تكون خاتمة لعمر أمضته بين الأفران، والأطيان، والألوان...، وإنها  سعيدة لأنها عاشت في بغداد، ولم تمكث في باريس، بعد إكمال دراستها فيها، وان حياتها كانت حافلة بالعمل، فما يبقى ـ قالت ـ ليس الجسد، بل قدرته على الإبداع، وهو يناور الزمن، والمجهول.
    وكان معنا، حفيدي علي (3 سنوات) الذي عقد معها صداقة، بعد أن تذكرت الفنانة والدته التي درستها فن الخزف، قبل ربع قرن.



 
حفيد الكاتب مع الخزافة 2012

   وتركت الفنان حمودي ألحارثي يصوّرها، وهو يحاورها، لإعداد مادة وثائقية عن فنانة كرست حياتها، كأسلافها أسطوات بغداد، لبناء علامات جمالية، تحمل لوعة بغداد، وتاريخها العتيد..]
14/ 7/ 2012

كولاج ـ 1985

* العزاوي ورحلتها في الخزف
مهما تنوعت أهداف الفن، منذ تجارب الإنسان الأولى، وحتى عصر الحداثة وما بعدها، لم يكن موت الفنان [ المؤلف ] نهاية للخطاب في مغزاه الأسلوبي، باتجاه خصائص فردية، بين التحليل والتركيب، وكافة التحولات والمتغيرات، إلا لصالح الأسلوب، داخل بنية [النص] وإحالاته. وتنوع منهاج البحث، وان يحدد طرق التأمل، لكنه يغني الخطاب، لان التوقيع، في الأخير، سيشكل هوية الفنان،  ومادة النص، حتى بعيدا عن الأهداف المتوخاة، أو المحددة.
عند الخزافة عبلة العزاوي ، في معرضها الشامل ( 1970 – 2000 ) – بغداد ، قاعة عبلة للفنون ــ نعثر على خلاصة لهذا المسار ، الداخلي للفن الأكثر صعوبة، والأكثر صلة بحياة بالحياة اليومية للناس، كما نتلمس مغزى العلامات الخزفية ، في الأشكال ذات التكوين المزدوج بين الموروثات والعلامات الحديثة.



جدارية ـ 1990

مرجعيات
إن النظرية تستعين بالنماذج . وعند تفحص الدافع الخفي المحرك للعمليات الإبداعية ، تظهر بدائية الفنان ، لصالح إبداعه الجمالي ، والتعبيري بشكل عام . والبدائية ، تحديدا ، تضعنا في منطق الوجود خارج زمنه ، ومكانه ، وفي ذات الوقت ، تفسر أهمية الخصائص الفردية . فمنذ رواد الحداثة في العالم ، غويا أو جوجان ، ماتس أو هنري روسو ، بيكاسو أو جايكومتي – على سبيل المثال – كانوا يحققون ، في إمبراطورياتهم الفنية ، أنظمة بالغة الدقة ، والتعقيد في تفسير وجهات نظرهم ، ورؤاهم ، وشخصياتهم عبر الأسلوب ، أو التوقيع ، داخل مفهوم الاتجاه العام . فالبدائية لا تتقاطع مع الحداثة ، شرط أن تمتلك خصائص المبدع ، وتفرده الخاص .
ومازالت عبلة العزاوي تتذكر كلمات أستاذها الخزاف الفرنسي ، بدراسة فنها البيئي، والشعبي، والحضاري، .. وهي كلمة لجواد سليم قالها للفنانة عبلة العزاوي ، في نهاية الخمسينات ، مشيرا لعلاقة الفنان بالمحيط ، والرموز المرئية. وقد وجدت الخزافة. منذ باريس ، إنها مشغولة بما يحيط بها .. فالفن هو امتداد جمالي لعالمها الخارجي ، دون قطيعة ، لان الفن لديها لا يحمل وظيفة محددة ، نفعية ، كما في الخزف التقليدي ، وإنما هو الجزء الذي يكمل أبعاد المشهد العام . وبدائية عبلة العزاوي لها خصائصها النفسية .. ومن المهم الإشارة لكفاحها ، في طفولتها وصباها ضد المرض ، والانحياز للفن كتعبير علاجي ووقائعي في ذات الوقت . فرؤيتها حافظت على ما يدور في رأسها بنوع من العناد ، والتحدي ، ولكن بعيدا عن الانغلاق، أو التكرار غير الضروري، ومن ثم فأنها راحت تعبر من غير حذر المدارس والأساليب ، وإنما جاءت تجاربها ، ومراحلها الفنية ، لتمثل التجريب بمعناه الإبداعي .. وعناصر هذا التجريب، عندها ، تتكون من [ 1 ] الحفاظ على مكوناتها الشخصية ، وعالمها الخاص [ 2 ] وتأمل عناصر المرئيات المحيطة بها .. [ 3 ] مع العناية بالمكان . أن الإشارة الأخيرة ، منحت أعمالها بعدا تشكيليا نحتيا ، فقد راحت توازن بين المضمون وأسلوب رؤيتها للأشكال : للاختزال ، ومعالجة الرموز الشرقية ، والعناية بتحوير الأشكال كمفردات ترتبط بخصائص أسلوبها الخزفي والجداري معا . فهي تلقائية ، وكما قالت ذات مرة ، أن الطين هو الذي يجعلها تفكر، فهي تفكر نيابة عنه. إن موت [ المؤلف ] يحدد إبعاد الفن واحد غاياته الأكثر استحالة على التعريف. والفن البدائي ، في أعلى مراحل الحداثة، يمتلك هذه الخاصية : هذا التوقع للفردوس الغائب، للأشياء الكامنة في البصريات، أو لكل محركات السطح ومكوناته غير القابلة للتفسير المباشر.


حداثة وجذور
انشغلت ، في مراحلها الأولى ، بالفنون القديمة . بدمى الطين ، وفخاريات الإنسان القديم ، حيث غدا الانشغال بالفن ، جزءا من بنية الحياة المبكرة للإنسان . كان ذلك الفن قد ترك أثره في تجاربها البكر : تأمل الأشياء الأكثر صلة ، وقربا ، بالمرئي .. ومحاولة منح المعنى مغزاه بإشكاله . فالشكل بلغ سر الحرف ، داخل الكلمة ، وسر الكلمة داخل الجملة . ولم يكن مفهوم النص الفني عندها إلا كمد جسر بين الذات والعالم المحيط بها . بعد ذلك ، وجدت في المكان كثافة فريدة للزمن .. السكون الذي تكمن داخله الحركة . هذا المفهوم العام ، لزمن الفن ، خارج المراحل ، دخل المفاهيم الحديثة . فالحداثة الأوربية ، وان ارتبطت بالتقنيات العلمية ومختلف العلوم ، والتسارع في بنية الحياة، إلا أنها لم تفقد جذورها بالموروث القديم ، لا على صعيد الوعي ، بل بمستوى تمثلات اللاوعي لعلاقة الذات بالمسافات المحيطة به . أولا : كانت العزاوي منشغلة ، بما تراه ، وتلمسه ، ثانيا : راحت تجد مغزى أسرار الأصابع فوق الطين . الإشارة الأخيرة ، ترتبط بالأسلوب ، والرؤية الفنية . بعد ذلك – ثالثا – راحت تكوّن مفرداتها بمنطق التجريب . فالحداثة لم تشغلها كنزعة متطرفة ، أو أوربية ، وإنما كأسلوب يمتلك أبعاده ، مع الحفاظ على أسئلة الفن ، داخل النص الفني . ان العلاقة ، في هذا المنحى ، لها صلة بالحرفي البغدادي ، البنّاء ، وتقاليده المتوارثة ، مع عناية بمناهج التحديث ، على الصعيد التقني ، فالفنانة ، بعد دراستها في فرنسا ، ومنذ ثلاثين سنة ، وازنت بين الصنعة والفن .. بين القديم والجديد ، بين المعرفة والتلقائية .. وهي أسس منهجها التجريبي ، في الخزف العراقي المعاصر . فالحداثة ، لديها ، تكمن في إعادة بناء الأشكال ، وإعادة بناء العلاقات بين العناصر ، لرسم حدود ( التوقيع ) الذي يمثل كيانها بمرجعياته المختلفة . فالخزف غدا جزءا من مكونات البيت ، والمدنية ، على صعيد الفن ألجداري . فهي تتقاطع – بوعي أو بدونه – مع ظاهرة هدم البنية المتجانسة ، ومع ظاهرة التلصيق والانتقائية ، ومحاولة منح الفن شرعية وجوده المعرفي ، والعضوي، بالحفاظ على زمنه، ومكانه، أي تاريخه الجمالي، والفني في الأخير.


بغداد المدورة
تركت بغداد في ذاكرة الخزافة ، كمشهد يومي ، فضلا عن انشغالها بتاريخ الفن الشرقي ، وحكايات ألف ليلة وليلة ، والموروث الإسلامي ، أثره في تجاربها الخزفية . فتحولت بغداد إلى جدارية كبيرة ، نفذتها في ايطاليا ، قبل عشرين سنة ، وتم نصبها في واجهة المصرف العقاري ببغداد . تحكي الجدارية ، علامات تاريخ المدينة .. فالفنانة تحتفل بعناصر الحياة ، وأبعادها الروحية . إن عمل جدارية بهذا الحجم، أكثر من مغامرة، فقد تحدت الفنانة كافة الاشكالات ، وحققت جدارية ما زالت مثار الإعجاب . فهي جزء من المدينة ، وبنيتها الجمالية . فبغداد تظهر كمدينة محصنة ، يجري نهر دجلة أمامها ، بينما انتشرت القباب والمنائر داخلها : انه أشبه بمدينة أسطورية ، آتية من زمن سحيق ، تحمل معها تاريخها ومعمارها المميز بالأسلوب الشرقي . وبنية الجدارية ، متماسكة العناصر : فهناك علاقة بين المساحات الكبيرة والصغيرة ، ضمن تكوين نصف منغلق ، بينما ثمة علاقة متوازنة بين لون السماء والنهر .. وقد أدخلت الفنانة الحرف العربي ، كجزء من البعد الثقافي الذي ميز بغداد طوال الزمن .. وعلى الرغم من إن الجدارية ذات سطح واحد تقريبا ، إلا إن استخدام الفنانة للمنظور إعطاءها أبعادا وأعماقا متجانسة في الرؤيا وفي التاريخ المشبع بالحكايات والرموز . وقد عالجت ، في حدود بنية النص الفني ، العلاقة الجدلية بين تاريخ المدينة ، ورموزها ، وبين البعد الجمالي ،  والروحي ، عبر استثمار عشرات العلامات ذات الصلة بالمكان ، والزمن . انها صنعت قصيدة من الخزف ، تروي حكاية بغداد عبر الأزمنة .



وحدات تراثية ـ 1980
جداريات
خلال أكثر من 450 قطعة فنية، عرضتها الفنانة العزاوي، مثل الأشكال الاعتيادية، والمحورة، قدمت مجموعة مختارة – تم استعارتها من مقتنيها – من تجاربها الجدارية. وهنا تظهر ملكة التكوين، بعد أن دمجت فن النحت، إلى جانب فن الرسم ، في البعد ألجداري . فهي تخلت عن المفهوم النفعي المباشر للخزف ، وراحت ، كما في التجارب الفنية المعاصرة ، تضع الفن هدفا لها . وللفن ألجداري ، من زاوية أخرى ، صلة بالأعمال الجدارية القديمة ، إن كانت آشورية أو بابلية ، فضلا عن تأثيرات الفن الإسلامي ( الأرابسك ) .. فهناك عدة مرجعيات لتكويناتها الجدارية ، حورتها ، بأسلوب يناسب أبعاد الفن الحديث على صعيد النحت والرسم ، فضلا عن المتغيرات في معمار المدينة . فالفنانة العزاوي، بدافع الخزف،  راحت تكون جدارياتها كمشاهد ثابتة للمدينة ، لا كبعد خارجي أو تصميمي محض ، وإنما كجزء من بنية المدينة الشرقية . فعناصر فنها مختلفة عن النزعات الأوربية التجريدية التي شاعت في التشكيل العربي ، خلال القرن العشرين ، ذلك لأنها استلمت الموروث الشعبي ، وتحويراته ، ببعد هندسي اعتمد أسلوبها في التجريب . فهي راحت تتمسك بوحدات فنية محلية، كالأقواس والمنائر وواجهات المعمار والزخارف الجصية ، في سياق الحداثة التي شملت أشكال الحياة المختلفة . وقد جاء الفن ألجداري – الخزفي ، إحيائيا لمفهوم الفن تجاه البيئة والموروث، مع عناية بجعل المعنى جماليا، عبر الاختزال، والإيحاء، والدلالة التعبيرية.


حروف ـ 1990
بصمات
لم تعتمد عبلة العزاوي، خلال نصف القرن الأخير ( 1950 – 2000 ) التيارات الأوربية ، بالرغم من دراستها في باريس ، وإنما اعتمدت ، بالدرجة الأولى صياغة توقيعها ، بالأسلوب المتوازن للموروث والتراث الشعبي ولعناصر شخصيتها ، المتقشفة ، والجمالية ، والتأملية . فالفنانة ، حاولت منح الطين أحد أهم مميزاته الحيوية ، المرونة ، والاكتفاء ببعض الأفكار التصميمية ، مع عناية باختيار الوحدات والموضوعات البيئية .. ولم تتطرف بالمعالجات الراديكالية للخزف في تياراته الحديثة ، كما فعل سعد شاكر ، رائد الخزف العراقي المعاصر ، بل حافظت على النمو الطبيعي لفن الخزف في بعده الفني – والجمالي .. ومن هنا كان إخلاصها لهذا الفن بالدرجة الأولى ، مع استثمار عناصر من النحت الفخاري والرسم ألجداري .. حتى بالإمكان القول إنها فنانة كلاسيكية ، في الحفاظ على تقاليد فن الخزف ، بعيدا عن وظائفه والاستهلاكية، أو المتطرفة في التجديد .. إنها وازنت ، في مسارها الطويل نسبيا، كما قال الفنان الدكتور عبد الستار الراوي ، بين مختلف الروافد ، ببلورة رؤيتها الجمالية لفن الخزف العراقي المعاصر.**



[3]




وكتب عنها الدكتور وريا عمر أمين الإشارة التالية:



رائدة الفن التشكيلي خزافة العراق الأولى (عبلة العزاوي)



  تعود معرفتي بالفنانة التشكيلية عبلة العزاوي إلى ربع قرن حيث كنت أتردد على قاعتها الفنية و الثقافية (قاعة عبلة ) الكائنة في الغزالية في الشارع المسمى باسمها ( شارع عبلة العزاوي).التقي فيها بالفنانين و الأدباء و المثقفين و استمع إلى أحاديثهم و المحاضرات الثقافية التي كانت تلقى من قبلهم  وأتلقى منها دروسا في علم و فن السيراميك  وأشارك في نشاطاتها الفنية و الثقافية .
ــ  ولدت عبلة العزاوي في بغداد 17 – 11 – 1935
ــ أول من تخرجت كفتاة من معهد الفنون الجميلة في بغداد – فرع الخزف
ــ أكملت دراستها الفنية في المعهد الوطني للفنون التطبيقية في فرنسا
ــ ساهمت في العديد من المعارض الفنية داخل و خارج العراق
ــ اشتركت في المعارض المتخصصة بالخزف في (لندن و دمشق و كاراكاس و فينا ...)
ــ شاركت بتمثيل الخزافين العراقيين في معرض دمشق والفنانات العراقيات في فينا
ــ أنجزت أعمالا نصبية جدارية أبرزها : جدارية المصرف العقاري (بغداد المدورة بقطر 40م)
ــ تمتلك قاعة خاصة بها للفنون التشكيلية منذ 1968
قال عنها الفنان و الأديب  والناقد عادل كامل
"هي خزافة وريثة عدة الاف سنة من تاريخ العراق حافظت على روح المدينة العراقية و و اخذت تاريخ العراق و تراثه ولم تتاثر بالتجارب العالمية ..فن عبلة العزاوي كالفن السومري و فنون العالم القديم ، وهي تمتلك الأمل و تمتلك الفلسفة وتفتح الأبواب للعالم لتقول: هذا الجمال , هذا الفن"
لم تعتمد عبلة العزاوي، خلال نصف القرن الأخير ( 1950 – 2000 ) التيارات الأوربية ، بالرغم من دراستها في باريس ، وإنما اعتمدت ، بالدرجة الأولى صياغة توقيعها ، بالأسلوب المتوازن للموروث والتراث الشعبي ولعناصر شخصيتها ، المتقشفة ، والجمالية ، والتأملية . فالفنانة ، حاولت منح الطين أحد أهم مميزاته الحيوية ، المرونة ، والاكتفاء ببعض الأفكار التصميمية ، مع عناية باختيار الوحدات والموضوعات البيئية .. ولم تتطرف بالمعالجات الراديكالية للخزف في تياراته الحديثة ، كما فعل سعد شاكر ، رائد الخزف العراقي المعاصر ، بل حافظت على النمو الطبيعي لفن الخزف في بعده الفني – والجمالي .. ومن هنا كان إخلاصها لهذا الفن بالدرجة الأولى ، مع استثمار عناصر من النحت الفخاري والرسم ألجداري .. حتى بالإمكان القول إنها فنانة كلاسيكية ، في الحفاظ على تقاليد فن الخزف ، بعيدا عن وظائفه والاستهلاكية، أو المتطرفة في التجديد .. إنها وازنت ، في مسارها الطويل نسبيا، ، بين مختلف الروافد ، ببلورة رؤيتها الجمالية لفن الخزف العراقي المعاصر .
و قال عنها الفنان الدكتور برهان جبر حسون الذي جمع بين التشكيل و الطب:
“ تتواصل الفنانة مع مسيرتها الطويلة فتعرض تنوعا و كما من الأعمال الزاخرة بالمفردات و التكوينات الموروثة من الجداريات و المعلقات و المسلات و المنمنمات و القلائد و و التمائم و التعاويذ و الآنية , التي تسجل الحياة البغدادية في أدق تفاصيلها و مناسباتها , حيث تأخذك بعيدا لتلج بك تلك البوابات العصية حيث يستفيق التراث و يغدو حاضرا متناغما مع العصر لا طارئا مقحما عليه..إن العزاوي لا تنفذ منجزاتها – أو لنقل آثارها الخزفية – بطريقة بنائية إنشائية, ولكنها تطلق عنان مخيلتها في أزقة الذاكرة و ثناياها لتقتنص منها الرموز و الدلالات  وربما الحكايات لتعيد صياغتها برؤية تشكيلية عالية و حس لوني رشيق، كمن يعيد ترتيب شظايا مرآة مهشمة ..)
وقال عنها الدكتور عماد عبد السلام رؤوف في كتابه ص21 (رحلة بين الطين و الروح – سيرة شخصية و فنية)
“ …لم تكن عبلة فنانة و كفى ، و إنما كانت – رغم زهدها الشديد و قناعتها التامة – شخصية مؤثرة ايجابا في كل من كان حولها تشيع جوا من التفاؤل ، في وقت لم يكن ثمة ما يبعث اله . و تعزز أواصر المحبة و تنشرها حولها , على رغم كل مشاعر الضيق و الالم التي اخذت تنعكس على وجوه الناس و تصرفاتهم احيانا.
... أصبحت قاعة عبلة ابرز معالم حي الغزالية , وأصبحت موئلا لسلسلة من المحاضرات الأسبوعية يتناول فيها المحاضرون ، في جو أليف , موضوعات تراثية و فنية و حضارية , و صار الناس يتقاطرون إلى القاعة يسمعون و يتحاورون و يألفون و يؤلفون . فلا يخرجون الا وقد نسو همومهم و معاناتهم التي جاءوا بها.فمن محاضرات هذه القاعة مثلا محاضرة (النحت في الفضاء ) للفنان رافع الناصري, ومحاضرة عن الفنان المسرحي حقي ألشبلي بمناسبة مرور ثلاث سنوات على رحيله سنة 1987, ألقاها الأستاذ خالص عزمي , و أخرى عن (النخيل) للدكتور عبد الأمير ثجيل , و(الرسم في الإسلام ) للصحفي زهير أحمد القيسي , و (التأريخ في الشعر)للأستاذ محمد البازى,و (الشاعرات في العصر العباسي) للدكتور حميد الهيتي و( الشاعرات في الخمسينيات) للأستاذ خالص عزمي و (هاشم الخطاط) للدكتور نوري القيسي , و ( الحروف و الأرقام العربية ) للمحامي موفق مصطفى العمري , و الأرقام العربية و الهندية) للاستاذ صبيح الأوسي . و ( معجزات العلاج) و (عجائب التداوى) و كلتاهما للأستاذ مثنى إبراهيم حمدي,
و (الإنسان و الكون ) و ( المذنبات) و ( مجاهل الذرة ) و ( من مجاهل الأرض) و ( الأرض بالأرقام) و كلها للدكتور وريا عمر أمين و (فلسفة كانت و علم الجمال) للناقد حميد ياسين و ( الاستنساخ البشري) للدكتورة ندى الأنصاري و (علم النفس و دوره في حل مشاكل الحياة اليومية) للدكتور عبد الحافظ سيف ,وهو من اليمن , و تاريخ المسرح العراقي) للفنان يوسف العاني..‌..و (اكتشاف ثبر المعتصم بالله) و ألوان الأحجار الكريمة) و ( جولة سياحية في بغداد العباسية) للدكتور عماد عبد السلام رؤوف....وغيرها
       ومن طريف ما يذكر إن مجلة (صوت الآخر) العدد 167 الصادرة يوم 24/10/2007 نشرت خبر انتقالها إلى جوار ربها..سارعت أنا في تكذيب الخبر في نفس المجلة و أقمنا نحن أصدقاء القاعة بهذه المناسبة حفلة بعنوان ( عودة عبلة إلى الحياة).

والآن تعيش هذه الفنانة العظيمة التي وهبت حياتها للفن وحيدة  في قاعتها المهجورة..نحن زملاءها المقربون (الفنان الروائي عادل كامل و الفنان حميد ياسين وأنا وآخرين ) نزورها ونتفقد أحوالها ... أطال الله من عمرها ووهبها الصحة و الأمان.



 شهادة

   للنحات مصطفى بهجت، والذي عاصرها، كلمة بهذا الصدد:
  [ حين يعيش الإنسان فترة ربيعه يسعى الجميع لقطف زهرة من زهور حقله، والآخر يسعى لصيد فراشة من فراشاته، وأضعفهم حيلة يتسلل ـ وربما خفية ـ ليملأ رئتيه من عبق عطره، وعندما يدخل مرحلة الخريف وتذبل الأغصان وينحني العود وتجف أوراق الشفاه وتذبل أوراق الخدود ويصير صديقه الأوحد سرير المرض، يهجره الجميع ويصير مثل (إرمْ) بعد أن كانت ذات (عِماد). ومهما طالت معاناته مع المرض وكل أنواع الحاجة لا يجد ولا حتى تربيتة من صديق أو يدا ً تمتد إليه بالعون، ولا كلمة تعينه على الحال ويصبح نسيا ً منسيا ، فإذا تسمعهم فجأة يلهجون باسمه، ويعلقون صورته بخيوط الشمس، ويتحدثون عن فنه، وانجازاته... فاعلم انه قد مات!) 20 تموز 2015


العزاوي ـ 16/7/2015

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ولدت في بغداد عام 1935
ـ درست الفن في معهد الفنون الجميلة ـ بغداد ـ فرع الخزف
ـ تابعت دراستها الفنية في المعهد الوطني للفنون الجملية والتطبيقية في ( بورج ـ فرنسا)
ـ أقامت ستة معارض شخصية في بغداد وشاركت في العديد من المعارض الفنية داخل العراق وخارجه.
ـ حققت أعمالا ً نصبية جدارية أبرزها جدارية المصرف العقاري (بغداد المدورة)
ـ عضو نقابة وجمعية الفنانين التشكيليين العراقيين.
** ومن الغريب ـ هنا ـ أن هناك، في الحي الذي تسكنه الفنانة، أكثر من 15 صحفيا ً، ومعنيا ً بالفنون والثقافة!، لم يفكر أحدا ً منهم بالإشارة إلى تجربتها، أوالى وضعها الإنساني، بل وحتى في زيارتها!

ليست هناك تعليقات: