بحث هذه المدونة الإلكترونية

مرات مشاهدة الصفحة في الشهر الماضي

الجمعة، 25 سبتمبر 2015

غالب المسعودي - العمى الأسود(قصة سُريالية)

العمى الأسود(قصة سُريالية)-د. غالب المسعودي

العمى الأسود(قصة سُريالية)
د. غالب المسعودي

إستلقى جنب حوض السباحة في ملابس الاستحمام ,وضع على عينيه نظارة شمسية تبرق بالوان قوس قزح ,تمدد على كرسي صنع خصيصا لهذه المهمة, جسده يفوح بالشباب والعنفوان, فتاة مراهقة تتطلع اليه أعجبتها الهيئة, مارست كل حذاقتها في الغطس لم ينتبه....! عينه ترنو الى السماء, حاولت اثارته بجسمها الغض لم ينتبه....! بقي لها إغواء حواء, وجدته يقرا كتابا لكن عينيه في السماء ,ابتسمت له ...! عينيه في السماء ,رشت على جسده سحابة ماء ,انتفض ,سقطت نظارته, تفاجَئَت بفصي لؤلؤ يتجولان في محجر عينيه, غادرت المكان منتفضة على انوثتها التي لم تستطع التمييز,  استلقت في حجرة نومها على سرير خشبي, اشتراه زوجها من اسواق السلع المستعملة ,غرفة وحيدة في منطقة يطلق عليها (التجاوز) كانت تحلم وحلمها سريالي عندما دعتها صديقتها للذهاب الى العاصمة علها تجد لها عملا في احد محلات الكوفي شوب, انتظرت طويلا لم يأتي الزبون اعلمتها حاستها السادسة ان هذا مقلب ,غادرت المكان التقطها سائق تاكسي اين تذهبين ودموعك منهمرة والليل اوحد, قالت له اذهب الى بيتي, اين بيتك في جمهورية الواق واق ,في أي محافظة....؟ قالت له قوقتي وين أختي في الحلة.... وصلت متأخرة زوجها في حلمه الرابع بعد المئة, اتصلت بها صديقتها التي اغوتها اين انت ....؟لماذا ذهبت نحن الان في الجنة المنطقة خضراء الولدان المخلدون يسكبون لنا الخمرة في اباريق من ذهب.... الا ان هناك شاب متمرد عينيه في السماء بين يديه كتابا ويقرأ نامت على تعبها استيقظت مبكرا لتذهب الى عملها رنّ جرس الهاتف صديقتها الاخرى تكلمها وهي تذرف الدموع ما بك....؟. تصورنا ان أي شيء اخضر هو الجنة صحوت الان مغطاة بسوائل لا اعرف مصدرها الا انها لزجة جُردت حتى من ملابسي الداخلية كل شيء في جسمي يؤلمني رائحة المشروبات الكحولية تزكم انفي تفقدت شنطتي العزيزة اهدنياها حبيبي قبل ان يهاجر الى بلاد الغربة, لم اجد شيئا الا عباءتي وجزء من حجاب اوصتني صديقتي ان اتلحف بهما قبل ان نصل الى المنطقة الخضراء قالت لي انهم متدينون ولا يستقبلون الا المرأة المحجبة, لحسن الحظ لم اجلب معي الا هذا النقال نوع (صرصر) يبدو انه لا يعجبهم تركوه لي كي اتصل بك صباحا ,اخبريني كيف حالك...؟ اجابتها انا الان في احسن حال سأذهب بعد قليل الى عملي زوجي سيرتب اعمال البيت لكن قولي لي كيف ستغادرين المنطقة وتأتين الى الحلة....؟ سأغري أحدهم لاسيما وانا عريانة وهم لم لحد الان لم يشبعوا من صور نكاح الحمير, انهم سيعثرون علي تجنبا للفضيحة, اغلقت هاتفها ,يبدو ان الرصيد قد نفد, بعد ايام التقين بشارع تجاري في مدينتها اثار النكبة واضحة على وجوه صديقاتها ,سالتهن ماذا حصلتن من هذه التجربة ...؟لا شيء المهم خضنا التجربة, قبل ان تنهي السؤال سائق تكسي متهور صدم الحافة الجانبية من الرصيف تطايرت شظايا الاسمنت اصابت حصى وجنتها لم تستطع الشرطة العثور على السائق ادخلت مستشفى الجراحات فقدت الوعي بعد اجراء العملية اسلمت الروح , كد الاطباء لإنقاذها ,دفنت في مقبرة السلام قرب عمتها وخالاتها وكثير من قتلى المعارك المتنوعة وجرائم الفحش الجنسي وضحايا عصابات السطو, لم يكن هذا سردا واقعيا لكن الاحداث تتري بلا فلسفة والعمى جزء من تركيبة العقل المنحط ,ابحث في خزانتي عن سيكار لم اجد, قفز في ذهني سؤال ,ما لون المناطق الاخرى....؟ لم اجد لونا يطابقها يبدو اني اصبت بالعمى الاسود في وطني كل شيء اسود حتى العمى.

الخميس، 24 سبتمبر 2015

في ذكرى رحيل شاعر الحرية-*مريم حيدري


في ذكرى رحيل شاعر الحرية
*مريم حيدري



لأن هناك الشعراء، ولأنهم في حياتنا، ولأنهم يبقون حتى حين يغادرون عالمنا، يمكن أن نطمئن. ليس شعارا هذا، ولا تفاؤلا ساذجا، فإن الشعراء قدامى وحديثين، استطاعوا أن يمنحوني شعورا استثنائيا في كثير من الأوقات التي كان يمكن أن يسودها اليأس والظلام، شعور هو مزيج من البهجة، والهدوء، واللامبالاة.

واليوم وأنا أستمع لصوت الشاعر الكردي أحمد شاملو (1925-2000) يخرج من الجهاز، وينتشر في البيت في احتفال أحادي قمت به لنفسي في ذكرى رحيله، تنتابني رغبة/أمنية أن يحضر الآن لأقبّل يده من فرط ما ترك لنا كل هذا الجمال، وخلقه من كلمات كان يمكن أن تكون كائنات بسيطة في العالم، بلا أي فائدة، كما سبق ورغبت في ذلك بعد قراءة بعض الشعراء النادرين.

وقليل هم الشعراء الذين يحسون ويلمسون ما حولهم بكامل حواسهم البشرية، والشعرية، ويستطيعون أن يسجلوا ذلك في قصائدهم بتلقائية شعرية، وبراعة فنية، وشاملو هو من أولئك. فإلى جانب كونه من أهم رواد الشعر الحديث في إيران، بل أهمهم، بإبداعاته في فضاءات القصيدة، وكتابته لقصيدة النثر، ونتاجه الهائل في الشعر، والترجمة، والبحث، وإضافة إلى الإرث الجميل الذي تركه لنا من قصائد الحب، كان ناشطا سياسيا يساريا، وواجه الكثير من الضغوط والمضايقات بعد الانقلاب الذي حصل عام 1953 في إيران وأدى إلى سقوط دولة “الدكتور مصدق” الذي كان ينادي بمبادئ الاستقلال والحرية في إيران، وتأميم النفط وخروجه من يد الأجانب، إذ تلت هذا الانقلاب اعتراضات واسعة في البلاد، واعتقالات كثيرة. فسجن شاملو، وفقد خلال تلك السنوات كثيرا من أعماله المترجمة أو المؤلفة إثر تفتيش بيته وسوقه نحو السجن. لكنه في السجن أيضا عكف على كتابة قصة طويلة ضاعت في انتقاله من سجن إلى آخر، كما بدأ بالبحث والدراسة على كتاب “الشاهنامه”، الملحمة الشعرية الإيرانية التي كتبها الفردوسي فی القرن الرابع للهجرة.

هذه النشاطات والاهتمامات بالسياسة ونشدان الحرية، تركت آثارا كبيرة على نتاج شاملو الشعري، تمثلت في قصائد تعدّ من أروع قصائد الشعر السياسي ونصوص الحرية في إيران، والتي تتميز في كثير من الأحيان بطابع إنساني سام، وحبّ يأبى أن يخمد في ظلّ الظروف الحالكة وسيطرة التعسف والعنف.

من جانب آخر، وبما أن شاملو كان يتمتع بصوت جميل، فقد سجّل كثيرا من القصائد بصوته على أشرطة ما زالت من أجمل ما يستمع إليها هواة الشعر في إيران، منها ترجماته للوركا، وقصائد جلال الدين الرومي، كما أنه قرأ الخيام في شريط صوتي برفقة غناء للمطرب الإيراني الشهير محمد رضا شجريان. ويكاد صوته أن يكون أجمل صوت بين جميع الشعراء الذين سمعتهم، أنا المغرمة أيضا بالأصوات الجميلة، لا سيما أصوات الشعراء، كل مرة حين أسمعه يقرأ بالفارسية قصيدته الشهيرة:

“يا للهفتي، كم أريدكِ يا من بعدكِ امتحاني المرّ بالوأد! /يا للهفتي، كم أطلبك!/ كأن/ على ظهر حصان/ حيث السّرج/ وبلا سكينة./ والبعد/ تجربة عبثية./
رائحة قميصك،/ هنا/ والآن.ــ /الجبال باردة/ في البعد./ يدي/ في الشارعِ والسرير/ تبحث عن حضورِ يدكِ الأليف،/ وتأمّل الطريق/ ينسج/ اليأس.
دون نجوى أصابعِك/ فقط.ــ/ والعالم فارغ من أيّ تحية.

يقرأ والحياة تصبح أكثر ضوءا، وهدوءا. الحياة المؤقتة التي تحدّث عنها يوما، وعرف كيف يبقى خالدا فيها، وخارجها: “أهمية الحياة، وفضلها، يكمن في كونها مؤقتة، في أنك عليك أن تظهر خلودك في مكان آخر، وذلك المكان هو “الإنسانية".
شاعرة ومترجمة من إيران.
_________
*المصدر: العرب