بحث هذه المدونة الإلكترونية

مرات مشاهدة الصفحة في الشهر الماضي

الجمعة، 25 مارس 2016

كاظم حيدر والبراق!- د. أحسان فتحي




كاظم حيدر والبراق!


 د. أحسان فتحي
 نجح مزاد (كريستيز) البريطاني في بيع لوحة (البراق) للفنان العراقي الراحل كاظم حيدر (1932-1985) في 16-3-2016 في مدينة دبي بمبلغ قدره 545000 دولار أمريكي بعد ان كانت قد قدرت قيمتها بحوالي 200000 دولار!  ولم اتمكن (حتى الان) الحصول على اسم المشتري الغامض الذي اشترى ايضا لوحات لفنانين مصريين متوفين بأسعار جيدة جدا.
اني اعرف هذه اللوحة الجميلة لكاظم جيدا لأنني كنت أراها كثيرا عندما كنت اتردد على دار الكاتب والناقد الفلسطيني العراقي الكبير، جبرا إبراهيم جبرا (1919-1994)، في الثمانينات من القرن الماضي. وكانت امانة العاصمة، بتوصية من المعماري رفعة الجادرجي قد كلفتنا، جبرا وأنا، بتأليف كتاب عن بغداد عام 1987. كان موقع العمل في دار جبرا في المنصور وكنا نعمل سوية لفترات طويلة استمرت أشهر عديدة أصبحنا بعدها أصدقاء مقربين جدا بالرغم من الفارق بين عمرينا. وكان هو يزورني في بعض الأحيان في داري الصغيرة في الحارثية لانجاز بعض النصوص في الكتاب.  كان جبرا يمتلك عددا قليلا من لوحات الفنانين العراقيين من بينها لوحة جواد للشاعرة لميعة عباس عمارة، ولوحة لعلاء بشير، ولوحة لفائق حسن، ولوحتين لكاظم حيدر احدهما البراق، وبعض المنحوتات لمحمد غني وخالد الرحال، ولوحة لسعاد العطار وأخرى لراكان دبدوب ولوحة كبيرة لجميل حمودي، ولوحة كبيرة نسبيا لشاكر حسن ال سعيد، وكذلك علق حوالي 5 لوحات جميلة كان هو قد رسمها في فترة الأربعينات والخمسينات. وعندما توفي جبرا انتقلت ممتلكاته ومن بينها اللوحات والقطع النحتية إلى ولديه سدير وياسرواللذين هاجرا العراق بعد سنوات قليلة من وفاته.







وفي 4 نيسان 2010 انفجرت سيارة مفخخة قرب دار جبرا والسفارة المصرية في بغداد مما ادى الى موت 17 شخص والى تدمير شبه كامل لدار جبرا الذي احتوى على الاف الكتب والوثائق الخاصة بجبرا والتي لم يستطع ولداه ان ينقلاها معهم الى خارج العراق. المهم هنا ان لوحة كاظم حيدر والتي كنت قد صورتها في بيت جبرا قد نجت من هذا الانفجار المروع وكتب لها ان تحلق عاليا في عالم الاسعار بعد ان كان ثمنها في حينها 30 دينارا فقط لا غير! وكنت قد تعرفت على كاظم لأول مرة عام 1961 في لندن حيث كان هو يدرس تصميم ديكورات المسرح رجع إلى الوطن في 1962. وعندما رجعت انا للعراق بعد الدراسة في 1968 كنت التقي به كثيرا مع بعض الأصدقاء. ولا أنسى ذلك اليوم الذي زرته في داره مع الصديق الراحل زهير العطية في منتصف السبعينات وفوجئنا بوجود حصان ضعيف ( مسقو، ومصاب بمجاعة!) في الحديقة الصغيرة امام الدار. وعندما سالناه عن الامر قال انه اضطر لشراء هذا الحصان من بائع عربانة نفط في المحلة وذلك لمساعدته في تخطيط ورسم جدارية كبيرة جدا موضوعها كان عن (الحصان العربي وجماله الأخاذ) لمبنى القيادة القومية لحزب البعث. ضحكنا كثيرا في وقتها مما سبب حرجا له لان الحصان "الموديل" لم يكن مثاليا او جميلا ابدا لكنه كان مضطرا لانجاز العمل خلال فترة قصيرة جدا ولم يكن لديه الوقت للذهاب الى "العرب". وللعلم بان هذا العمل الكبير (اقدر مقاساته ب 3 في 9 متر) كان هو والمبنى قد دمره الأمريكان تماما في 1991، ولعل ابن أخته الدكتور نجم يملك صورا أو تخطيطات لهذا العمل الجبار.




بقى ان اقول بانه لم يخطر ببالي ابدا حينذاك ان اشتري عملا من الصديق العزيز (كاظم عبد حيدر الجنديل) ولم اطلب منه ان يهديني عملا من أعماله الفنية لأنني متأكد بانه لم يكن سيتردد في تلبية طلبي هذا. عاش بحالة مادية متواضعة جدا ولم يكن يحلم أبدا بوصول أعماله إلى مثل هذه الأسعار المذهلة، شأنه شأن العديد من الفنانين الكبار الذين يشكل رحيلهم عن عالمنا قفزة استثمارية مثمرة لتجار الفن والمضاربين المتربصين كالذئاب الكاسرة!
أخيرا أود التحذير من اعمال الرواد المزورة، وخاصة المتوفين منهم، لان هذه الأسعار المغرية شعلت السوق الفني وستحفز عصابات التزوير على المضي قدما في إنتاج الأعمال المزورة عسى أن تنطلي حيلهم على حتى بعض الأشخاص وبعض دور المزاد "المرموقة"!





ليست هناك تعليقات: