بحث هذه المدونة الإلكترونية

مرات مشاهدة الصفحة في الشهر الماضي

الثلاثاء، 5 يوليو 2016

فئران وقصص قصيرة أخرى- عادل كامل

فئران  وقصص قصيرة أخرى






عادل كامل
[1] سر الضوء!
    بعد أن ولدته، سأل الحمل أمه:
ـ هل حقا ً ولدنا للذبح؟!
أجابت مذعورة:
ـ لا!
فراح يتمتم مع نفسه بصوت خفيض:
ـ إذا كانت أمي تكذب علي ّ وتخدعني، فمن ذا سيخبرني بالحقيقة؟
   سمعته يدمدم مع نفسه بشرود، فقالت:
ـ اقترب مني فأنت تشعر بالجوع، وما عليك إلا أن تتغذى ترضع وترتوي من حليبي!
   لكنه لم يخبرها بما دار بخلده: إن أمي لا تعرف إنها تتعجل بإرسالي إلى الموت، فهي تريد مني أن اكبر، سريعا ً، وأتمتع بالصحة التي تسمح لهم بذلك!
  لكنها سمعت ما دار بباله، فسألته:
ـ هل كان علي ّ أن لا ادعك تخرج من الظلمات وإلى الأبد؟
   آنذاك راح يضحك حد انه فقد هدوءه فصار يتمرغ بالتراب يذرف الدموع المرة:
ـ الآن ...، يا أماه...، فهمت سر الضوء....، فانا، بعد الآن، ومهما عملت، لن اعثر على مكان لا تراني فيه الذئاب!

[2] حكمة
  خاطب الفار، بصوت متلعثم، حزين، عصفورا ً كان يقف بجواره وهما يتأملان أقفاص المفترسات، في الحديقة:
ـ آ ...، كم تبدو وديعة، طيبة، حتى إنها تبدو راضية، مطمئنة، بل وسعيدة!
  رد العصفور:
ـ صديقي...، القضبان تروّض أشرس المفترسات....!
ضحك الفأر:
ـ ولكنها لم تستطع أن تروضني؟
    استدرك العصفور متذكرا ً إن الفار سيصبح قائدا ً لجناح النمور، السباع، والذئاب...، أجاب، وهو يشير إلى الصقور والنسور القابعة خلف قضبان أقفاصها الحديدية:
ـ ولا أنا استطاعت تلك النسور والصقور أن تمنعني من الكلام بطلاقة!  
    الفار ـ هو الآخر ـ استدرك، فسأل العصفور:
ـ لكن، يا صديقي، أود أن تخبرني: من ذا اخترع هذه الأقفاص...؟
ـ اعتقد أن السؤال الذي كان عليك أن تسألني، هو: ماذا كنا سنفعل من غير هذه الأقفاص، وليس من اخترعها، أو ننبش بحثا ًعن حكمتها؟!
ـ لكنك طليق...، مثلي...، فأنت ستدير جناح النسور، والصقور، مثلما أنا أصبحت قائدا ً لجناح التماسيح، والدببة، والأفاعي أيضا !
   هز العصفور رأسه، بذهن شارد، ولم يجب. قال الفأر:
ـ أراك أصبحت تخاف أن أوشي بك؟
فقال العصفور ضاحكا ً:
ـ لا أنت ستصبح ذئبا ً..، ولا أنا باستطاعتي أن أصبح عقابا ً...، إنما علينا ألا نسرف  بالسعادة...، فالدورة لم تكتمل!
ـ آ ....، أنا حسبتها لم تبدأ؟
ـ أصبت! لأنني طالما رأيت الهرم لا يرتكز على القاعدة، بل على الرأس، فالدورة لا تنتهي بخاتمة، لان مقدماتها، هي الأخرى، ترجعنا إلى ما قبل وجودها! وهنا فلا احد باستطاعته معرفة ما جرى، ويجرى، وما تراه يذهب ابعد منا، وابعد من هذه الأقفاص أيضا ً!
ضحك:
ـ لا بد انك كنت تمشي بالمقلوب، وإلا كيف لا ترى الهرم بلا قاعدة وبلا رأس أيضا ً!
ـ أصبت، يا صديقي، وهذا هو سر خلود حديقتنا، إن كنت عادلا ً فالعقاب بانتظارك، وإن كنت ظالما ً فما عليك إلا أن تمجد من صنع هذه الأقفاص، ولا تهدر زمنك بالبحث عن الحكمة، ولا عن الحكماء!

[3] محنة أيضا ً
   وهما يراقبان معركة اشتدت فيها المواجهة في تنوع الأسلحة المستخدمة، سأل الطائر رفيقه بصوت خائف:
ـ غريب أمر هؤلاء البشر...، هؤلاء يطلقون النار ضد هؤلاء بغزارة وهم يصرخون: انتصرنا...، وهؤلاء يردون بالمثل ويصرخون بأصوات أعلى: انتصرنا....
ـ وأنت ماذا تقول؟
ـ أنا لا أقول، بل الحقيقة وحدها تقول: لم ينتصر إلا الموت!
ـ آ ...، تقصد أن الموت هو من حرضهم على القتل...، وأعمى بصائرهم...، خاصة أن هناك طرقا ً أخرى غير القتل، والذبح، والتنكيل، و.... يستطيع  أن يخطف فيها  أرواحهم منهم، بهدوء، وبسكينة، ومن غير كل هذا العنف، وألام !
   صمت لحظة ثم عثر على جواب:
ـ عندما يأتي الموت ليقبض على روحي سأسأله هذا السؤال.
ضحك الآخر وهو يهم بالطيران:
ـ دعنا نعثر على ممر امن للهرب، والنجاة ....، قبل أن نفكر بالعثور على الرد الذي دوّن قبل وجودنا للذبح، والموت!

[4] ملاعب
   بعد أن ارتفعا عاليا ً في السماء، أثناء هجرتهما إلى مكان آخر، سأل الطائر زميله في الرحلة، وهما يحدقان في الأرض:
ـ يا لها من ملاعب عملاقة مكتظة بمئات الآلاف من البشر...
ـ وما الغريب في الأمر...، يا صديقي، ألا تراهم  اجتمعوا لمشاهدة مباراة عظيمة بكرة القدم...؟
ـ اعرف! واعرف أن هذه الحشود منشغلة بمراقبة حركة الأقدام وهي تلهو بكرة صغيرة ملأت بالهواء...، وهناك الملايين تتبع اللعب عبر الشاشات في هذا العالم..،  ولكن هل لديهم عقول سليمة حقا ً  ...، كي تشغلهم كرة صغيرة ملأت بالهواء؟
ـ ما الذي تريد أن تقوله ...؟
ـ الم تكن هذه الملايين، هي ذاتها، التي كانت تذهب إلى المعابد..؟
ـ آ ...، الآن فهمت قصدك: من المعابد إلى الملاعب...، في المرة الأولى كانوا يذهبون لعلهم يحصلون على جناح في الجنة، وفي المرة الثانية لم يعد يشغلهم الأمر فهم سعداء بملاعبهم، وبلاعبيهم أيضا !
ـ هذا صحيح تماما ً...، ولكني مازالت أتساءل: كيف يحصل الملايين على طعامهم...؟
رفع صوته قليلا ً:
ـ انك حقا ً لا تفكر إلا بالملايين التي تعيش من غير طعام، التي تعيش تحت خط الفقر، لكني سأقول لك: ما دامت النهاية، في الحالتين، واحدة، فان من يكد، ويشقى سيوفر الطعام لهذه الملايين العاطلة عن العمل....!

[5] امتحان
   قال الذئب يخاطب الغزال بعد أن أوقعها في كمينه:
ـ إذا أجبت ِ جوابا ً صحيحا ً، على سؤالي، فانا سأطلق سراحك!
أجابت الغزال:
ـ مع أنني لا اجهل ما الذي سيحدث لي...، إن أجبت جوابا ً صحيحا ً أو خاطئا ً، فانا استمع إليك، أيها الذئب..!
فسألها:
ـ لِم َ أراك مرتبكة...، فهل أضعت ِ الدرب، أم الدرب أضاعك..؟
ـ لا الدرب تاه عني، ولا أنا أضعته...؟!
صاح الذئب:
ـ كدت تعثرين على الجواب الصحيح!
ـ سيدي، حتى لو وجدت الجواب كاملا ً...، فالحقيقة، لا أنا امتلك قدرة على فهمها، ولا أنت باستطاعتك أن تتخلى عنها!
ضحك الذئب:
ـ والآن، أيتها الغزالة، اهربي....، فانا لن اعتدي عليك!
ـ سيدي، هذا ـ هو ـ أكثر المقترحات قسوة، وألما ً...، فهل هناك مكان يمكن أن اذهب إليه لا يقع تحت سلطتك، وهل هناك مكان ما بإمكانه أن يحميني منك؟  فأنت مثل الآلهة القديمة خلقت البشر من اجلها، وليس من اجل أنفسهم، وما أن راح البشر يدركون فداحة المحنة، حتى راحوا  يحلمون أن يبلغوا ذروتها، في المعرفة، وليس في الهرب منها!
اقترب الذئب منها، وقال بصوت مرتجف:
ـ المشكلة أن المعرفة وحدها أصبحت تعمل ضدنا، ولكنها لا تعمل ضد نفسها، فلو كنت افترستك، لكنت استرحت، أما الآن فانا أصبحت أكثر إدراكا ً إن المشكلة ستتضاعف  إن افترسك، أو لم افترسك، لان المشكلة لا علاقة لها بالخطأ أو بالجواب السليم!


[6] المتمردون
  ـ للمرة الألف، بعد الألف، اكرر: لا تدع قطيعك يستغيث، ويستنجد، ولا يعرف ماذا يعمل.....
   كانت أصوات ملايين المتمردين ترتفع عاليا ً، آتية من مختلف الجهات، مما سببت إرباكا ً لسعادة المدير، مديرنا، وأثارت غضبه، حد انه بدا مرتبكا ً، وقلقا ً أيضا ً...، فقد أكد لمساعده انه لم يتخذ التدابير المناسبة، وإلا فان الحشود المليونية قد تزحف نحو القصر، وتقضي عليه.
متابعا ً قال لمساعده، بثقة بدت ليست زائفة:
ـ وأنا اكرر، للمرة الألف، بعد الألف: لا تدع القطيع لا يجد حلا ً إلا بالتمرد علينا...، أما أن نشبعها حد  التخمة، وأما لا ندعها تتنفس، ذلك لأن الفجوة بينهما لا تربكهم، ولا تربكنا حسب، بل هي الكارثة عينها!
ابتسم المساعد:
ـ سيدي...، لم نترك وسيلة لم نجربها معهم...؛ لأن التمرد لا علاقة له بمعضلات الحياة ولا بمعضلات الموت!
   صاح المدير بصوت مرتجف:
ـ ها أنت ترجعنا إلى نظرية: إذا أردت أن تقضي على الآخر فامنحه الحرية! وأنا سبق لي أن شرعت قانون: إذا أردت أن تكسب الآخر فدع الحرية  وحدها تعمل عملها حد الموت!
صمت برهة، وسأل المساعد:
ـ ماذا يريدون...؟
ـ سيدي...، لا يريدون شيئا ً محددا ً...
ـ فهمت!
ـ ماذا فهمت...، سيدي؟
ـ لم تعد وسائلنا كافية لإجراء الصلح، ولا لإجراء المصالحة...، والآن عليك أن تمنحهم كل الحريات التي حرموا منها...، ولا تدعهم يحلمون بأحلام حجبت عنهم...، فالقطيع إذا حرم منها، يغدو قوة من الصعب معالجتها بوسائلنا البالية!
ـ فعلنا هذا ... سيدي، لكن بلا جدوى...
ـ إذا ً لم يعد لدينا إلا أن ندعهم يحصلون على أقاصي الأحلام!
اقترب المساعد منه كثيرا ً:
ـ ولكن...، لا أنا، ولا أنت، يعرف شيئا ً عن هذه الأحلام...، لأنها، في الغالب، ستبتلعنا!
ـ لا تجادل..، فبعد أن فشلت السجون بالقضاء عليهم، وبعد أن فشلت الحروب بالحد من ثوراتهم، دعهم يمضون حياتهم يحلمون إنهم كسبوا الرهان!
ـ وبماذا يحلمون؟
ـ حقا ً انك أصبحت واحدا ً  منهم! ألا تدرك انك لو حجبت الأحلام عنهم، فلا جدوى حتى لو منحتهم الأبدية، أو أرسلتهم إلى الفردوس...، أقول لك: دعهم يحلمون، كي يدركوا إنهم أصبحوا أحرارا ً...، لأننا لن نقضي على خطرهم إلا بالأحلام، لأن القضاء على العبيد لا يحدث بالقضاء عليهم، بل بمنحهم أقاصي الحريات!
ـ سيدي...، ولكن ماذا لو عادوا وطلبوا الخبز...، والماء...، والقليل من الهواء...؟
ـ  أعطهم الكلام، يا حمار...، أعطهم الكلام ثم الكلام...، فهو وحده سيقودهم لمعرفة أن لا معرفة إلا بالمزيد منها. آنذاك نكون كسبنا الرهان!
ـ وهل تراهم يجهلون إنهم خسروا رهانهم معنا...؟
ـ لا...، لا تدعهم يشعرون بالخسران، بل دعهم يتشبثون به.
ـ لكننا فعلنا هذا معهم أيضا ً.. ، لا الحروب ولا السجون ...، لا القيود ولا المتاهات، لا الوعود ولا الأحلام ولا الحريات...، أثمرت نتيجة...، فهل سيكون الكلام مجديا ً معهم؟
وأضاف يتحدث مع نفسه بصوت مرتفع:
ـ عندما لا نمتلك علاجا ً حقيقيا ً للمعضلة..، عليك أن تخترع معضلات بلا علاج! فلو كنا عرفنا السر، وصدقناه، لكان الزوال برنامجا ً ترفيهيا ً لنا، ولهم!
ـ ولكنني ـ سيدي ـ لم افهم كلمة واحدة من خطابك العظيم!
ـ ولا أنا أيضا ً!  فلو كنت اعرف ماذا أقول...، ستكون اللعبة برمتها، باطلة! والآن ـ أيها الحمار الأحمق ـ أما تدعهم يرتوون من الحياة حد الموت، وأما يشبعون من الموت حد القبول بالحياة، وإلا فان تمردهم سيقودهم للقضاء علينا!
صمت برهة وجيزة ثم أضاف:
ـ فإذا لم نقدر على وضع حلول ناجعة، لم تخطر ببالك، أو ببالي، فان هذا القطيع، إن لم يحصل على ما يريد، لم يعد لديه إلا أن يحلم بالقضاء علينا!
وأضاف حالا ً:
ـ والآن ما عليك إلا أن تجد حلا ً للمعضلة التي تذهب ابعد من وجود حل لها!
ـ أصبت! سيدي، فما عليك إلا أن تنزل إلى الساحة وتصبح في مقدمة الملايين، وتكون قدوة لها ..
ـ وأنت ماذا ستفعل...، أيها الحمار؟
ـ سأبحث ـ سيدي ـ عن المعضلة التي لا وجود لها، لأنني سأتتبع خطاك في إقامة دولة المستقبل...
ـ أيها المساعد ..، أصغ إلي ّ:  ما عليك إلا أن تخترع وسيلة يدرك فيها الجميع إنهم لا يمتلكون سواها: إنهم صاروا يتمتعون بأكثر مما حلموا به، وإنهم أصبحوا أحرارا ً أكثر مما في الحرية من مديات، وآفاق، ولا تدعهم يتساءلون: ما الحرية! دعهم ينشدون لها ويرقصون سكارى ثملون بها حد استحالة الإفاقة منها! ولا تدعهم يتساءلون لماذا هم حصلوا على أكثر مما طلبوا، بل دعهم يفكرون بالحصول على كل ما هو بانتظارهم...، فلا احد سيعود من الموت ويخبرهم بالأمر، إنما دعهم يدركون إنهم هم وحدهم الأجدر بمثل تلك المكاسب، وإلا فان المعضلات القابلة للحل ستغدو باطلة، آنذاك تصير الدنيا مساوية لضدها، وهذا ما لا يبعث فينا إلا المزيد من الإحزان، والملل.
ـ سيدي، اعتقد انك غادرت الكلام! وصرت تحلم!
ـ احلم؟
ـ سيدي، انك المدير، وليس لديهم آخر يحل محلك...!
ـ أيها الأحمق..
ـ نعم ...، نعم سيدي..
ـ المتمردون لم يتركوا لنا فرصة للهرب...، ولا فرصة للحوار، ولا فرصة للمصالحة...، فماذا  نفعل، وأنت تراهم يسدون الممرات علينا ..يغلقون بوابات السماء، ويحاصروننا من الجهات كلها؟
ـ سيدي، سيتم القضاء علينا... ، كما يبدو...، بانتظار من يكمل الدورة!
ـ لكن الحياة لن تنته...، حتى لو تم القضاء علينا!
ـ ولن تنتهي أبدا ً حتى لو تم القضاء علهم أيضا ً...!

[7]  بداية
ـ ما ـ هي ـ الحكمة التي علي ّ أن أتعلمها منك، يا جدي...؟
ـ أن لا تتعلم شيئا ً!
ـ آ   .....، ولكنك أمضيت حياتك كلها في الحصول عليها...؟
ـ يا حفيدي، فعلت ذلك: كي تبحث ـ أنت ـ عن طريق آخر لا  يوصلك إلى هذه النهاية!
ـ وهل أبقيتم لنا ممرا ً للنجاة...؟
ـ  إذا قلت كلاما ً صحيحا ً، فهذا يعني: إنها هي ذروة الحكمة! وما عليك، الآن، إلا أن تبدأ منها!

[8] منقرضات
   سأل الصرصار نملة كانت تقف بجواره:
ـ هل أسلافك كانوا من سلالة الفيلة حقا ً....، وإلا فانا سأضطر إلى افتراسك حالا ً...؟
ـ لو قلت لك نعم، أو لا، فانا أسيرتك، ولكن لدي ّ سؤال: هل صحيح ما يقال بان أسلافك ينحدرون من الديناصورات العملاقة؟
ـ سؤال غريب!
ـ ما الغريب في السؤال؟
ـ  لقد خطر ببالي سؤال آخر: من منهما كان سببا ً بانقراض الآخر؟
ـ  يا أحمق...، لا احد..، فلو كان لديك ذرة من العقل، لفكرت كيف تنجو من البحث عن فيل بحجم نملة!
ـ صاح الصرصار:
ـ لن ادعك تهربين، مني، وأنا استمد قوتي من دماء أسلافي وهي تسري في شراييني!
ضحكت النملة، وهي تترك جسدها للريح:
ـ  هكذا خدعنا، يا أحمق، بانتظار عصور لا نضطر فيها لتأجيل هلاكنا!

[9] استحالة
     خاطب الفأر العجوز قطة وضعت صغارها توا ً:
ـ ولادة سعيدة!
   رفعت القطة رأسها قليلا ً وقالت للفأر:
ـ اهرب!
   لم يستطع منع نفسه من الضحك:
ـ إذا كنت نجحت بالفرار منك، طوال عقود، وأنت وحيدة، فهل باستطاعتي أن أنجو من هذا العدد، وأنا أصبحت وحيدا ً؟!

[10] مواجهة
     بذل النمر جهدا ً كبيرا ً ليصل إلى أعلى غصن في الشجرة، فلم يعثر في عش الحمامة إلا على صغير خرج من البيضة توا ً. قال الصغير:
ـ افترسني!
فقال النمر ضاحكا ً:
ـ جئت اخبر والديك بأمر خاص!
  ابتسم الصغير قائلا ً:
ـ  لا تلعب، فلا يليق بك أن تكون ماكرا ً كالثعالب!
اندهش النمر:
ـ كيف عرفت، وأنت لا تعرف شيئا ً عن قوانين غابتنا؟
ـ لا..، يا سيدي، لقد حاولت أن لا اخرج من البيضة، وأموت فيها...، ولكن رائحتك أفزعت الموت، فخرجت كي أخبرك انك لا تستطيع النزول من الشجرة، ليس لأن الذئاب والسباع والكلاب، تحاصرك، في الأسفل، بل لأن النسور والصقور والغربان لن تدعك تصعد أعلى من هذا الغصن!

[11] للبيع
ـ لماذا تبيع أصابعك ..؟
ـ وماذا افعل بها، بعد أن منوعنا من العمل!
ـ حسنا ً...، ولكني أود أن اشتري منك عقلك!
   أجاب القرد ضاحكا ً:
ـ لو كنت امتلك عقلا ً...، لعرفت كيف أنجو من هذه المحنة...!

[12] لوعة
     صرخ الأرنب بأعلى ما يمتلك من قوة، في وجه الضبع:
ـ  لِم َ لا تفترسني، فتستريح مني، وأستريح منك؟
ـ أنا انتظر موتك...، أيها الأرنب.
ـ آ ....، إذا ً دعني اذهب...، وما أن أموت، فافعل بي ما شئت.
ـ يا أحمق...، وهل باستطاعتي أن امنع الذئاب الجائعة من افتراسك؟
ـ آ ....، والآن ستجعلني أموت خوفا ً...، لتأكل فطيسة ماتت كمدا ً، ما أقبحك..؟
ـ هذا أفضل من أن أراك تغيب في أفواه الآخرين!

[13] مهرجون
  وهما يتأملان مسيرات مليونية تملأ الممرات، الساحات، والشوارع، في فجر يوم بارد، سألت القملة زميلتها، وهما يستمتعان بالدفيء، في أذن الكركدن:
ـ لماذا يزعقون، يهتفون، يصرخون ، ويمجدون هذا الحيوان الأليف؟!
ـ انه سيد البرية، وأمير المستنقعات، وأسد الغابات...فلماذا لا يهتفون له؟
ـ وهل ـ هو ـ بحاجة إلى هذا اللغط، الزعيق، وهل هو بحاجة إلى من يهتف باسمه، ويمجده، في هذا الفجر...؟
ـ  أنا لا اعتقد انه طلب منهم أن يفعلوا ذلك...
ـ من دعاهم إذا ً....، أولا ً، ولماذا لم يحرك ساكنا ً، ثانيا ً...؟
ـ اذهبي ووجهي السؤال إلى الدابات، البهائم، الزواحف، القوارض، والحشرات...، ما الجدوى من الثناء على كائن لا يعنيه هذا الأمر...؟
ـ ها...، وهل اذهب واسأل الفئران والديدان والجرذان لماذا تمجدون كائنا ً ليس بحاجة إلى هذا الثناء...، وأنا اعرف تماما ً ما الذي سيحصل لي، قبل أن اسحق، وقبل أن أصبح كأنني ولدت فائضة! ولكن لماذا لم يحرك ساكنا ً، ويعترض، حتى يبدو لي انه أخفى خطة ما نجهل سرها!
ـ أنا لا اجتهد، فلا أتكلم إلا بما اعرف! فانا لا أتصوّر أن زعيمنا العظيم هذا قد يشغل نفسه بتوجيهات وضيعة، ثم هل لديه الوقت ليهدره مع العوام والرعاع!
ـ آ ...، دعينا نستمتع بالدفيء، في أذن قائدنا، قبل أن يشاركها الاحتفال، وينتفض، فلا نجد ملاذا ً آمنا ً كهذا الفردوس!

[14] ومضات
ـ إذا كنت أدركت، منذ زمن بعيد، انك لن تدرك شيئا ً يستحق الإدراك، فلماذا كرست حياتك كلها للمعرفة؟
  أجاب الجد حفيده بابتسامة مختزلة:
ـ كان من المستحيل إدراك هذه النتيجة، إلا بقضاء العمر كله من اجل التحقق إن كانت صائبة أو خاطئة....؟
ـ والنتيجة؟
ـ  لم تعد تعنيني إن كانت صائبة أو خاطئة، إنما  أنا اسأل نفسي: بماذا كنت سأنشغل، لو لم انشغل بمعرفة كل ما كنت اجهله؟
ـ الم ْ تقل انك كنت أدركت انك لن تدرك شيئا ً يستحق بذل هذا الجهد...؟
ـ قلت...، ولكني لم اقل: اغطسوا عميقا ً في قاع الظلمات! فانا طالما كنت أتلمس أن هناك ومضات...، حتى وإن كانت جعلتني أرى لا حافاتها المظلمة! ومضات إن غابت، فكأن الكون برمته لا يمتلك إلا أن يمدني بهذا الذي كلما أدركت استحالة إدراكه، وهو يجعلني استحدث هذه الومضات، قبل أن أغيب!
* المجسم للنحات العراقي معتصم الكبيسي
24/6/2016

ليست هناك تعليقات: