بحث هذه المدونة الإلكترونية

مرات مشاهدة الصفحة في الشهر الماضي

الخميس، 17 مارس 2016

قصة قصيرة حكاية رواها لا احد!-عادل كامل



قصة قصيرة


حكاية رواها لا احد!


عادل كامل


    في البدء، تقدم الموكب، الجرذ الأعظم، محاطا ً بحرسه الخاص، من ثم سار خلفه موكب الجرابيع، ذات الرؤوس الابرية، أعقبه مباشرة، موكب فصائل الفئران المتوحشة، برفقة أكلات الدود، والفضلات، والأعشاب البرية، من ثم ظهر موكب السبع، مكبلا ً بالحبال، والسلاسل الحديدية، باتجاه المنصة الكبرى، خلف زرائب الأبقار، وحظائر الحمير والبغال والخيول، حيث اكتظت الأرصفة، الممرات، الدروب، والفضاء، بسكان الحديقة، تلبية لنداء استحضار رغباتهم النائية، ومكبوتاتهم المندثرة، إذ تم تحريرها من ظلماتها، وقيودها، وصارت تتمتع بحق رؤية مديرهم السابق، وهو الأوحد الذي وازن خطاه مع ضجيج الأصوات المتناثرة، غير آبه للمسرة والبهجة التي قرأها في أحداقهم، وفوق سطوح عيونهم المبللة بدموع النشوة، واللذات الطليقة، وغير آبه لمسراتهم وهم يعلنون عنها وهو يلقى حتفه، في نهاية المطاف، في المكان ذاته الذي توج فيه مديرا ً أبديا ً  لزمنهم غير القابل للأفول.
     عند المنصة الكبرى، وقف قائد الجرذ الأعظم، شامخا ً، رافعا ً رأسه نحو الغيوم، فتوقفت الفصائل، والجحافل، والصنوف، مشيرا ً بحركة غير مرئية بترك السبع يتقدم صوب المشنقة، التي نصبت وسط منصة التتويج، وهي ذاتها حملت شعار منصة الخلود، كي يضع الحبل، بنفسه، ويلفه حول عنقه، بانتظار بدء الاحتفال بعام الشنق.
    على إن الروايات تعددت، تنوعت، حد استحالة معرفة كيف اختفى السبع، وتوارى عن الأنظار. كل ما أجمعت عليه الوثائق، والصور، والفيديوهات، وما سجلته الكاميرات الخفية، وأجهزة التقاط ذبذبات الصمت، وكل ما اجمع عليه الشهود، إن الجرذ الأعظم ألقى خطابا ً موجزا ً لكنه امتد ـ بتعدد المصادر وتنوعها ـ سنوات غير محددة، ثم اختفى، هو الآخر، وغاب تاركا ً أثرا ً يمحو كل اثر لغيابه، مؤكدين ديمومة حضوره، والى الأبد.
   فقال كبير الضباع إنها مسرحية رخويات رواها رأس لا وجود له، وإنها ليست هزلية، ولا تمت بنسق المآسي، أو النكبات، ولكنها ـ في خاتمة المطاف ـ لا تضع حدا ً لمسارات يصعب دحضها، ولا محوها، كما شاعت همهمات مغايرة، تقول إن الحدث مكثت يتجدد، مع فجر كل يوم طال ليله، إنما هناك أراء خالفت زعيم الذباب، معترفة، إن ما جرى لم يكن وهما ً ولا طيفا ً، لا كابوسا ً ولا برقا ً، بل هو الحقيقة مكتفية بذاتها، ومن الصعب تفكيك أصولها أو إعادتها إلى الجذر، وانه لا جدوى من محاولات طمس معالمها، أو إعادتها يانعة خضار بعد الحدث. فأيده مسؤول الموروثات المحنك، بأشرة صامتة، وقورة، أكدت تجانس وحده الأضداد بين النفي وحتميات التجدد التي لا غبار عليها، فالسبع لم يختف، ولا كبير الجرذان توارى، وإنما حدث إن الفراغات اتسعت، بين الحدث، والمشاهدين، سكان البرية والغابات والكهوف مع سكان الحديقة، وان ما حصل ليس لعبة لعبت من غير لاعبين، لأن اللاعبين لم يظهروا براعة اللعب، بل لأن التشبث بالحتميات مفهوم عفا عليه الوقت. فقال كبير الثيران لخنزير فقد بصره، إن التمسك بالقانون أورث تعددية جوفاء، خالية من المرونة الجدلية، فالسبع أدى دوره، ودورته، وان كبير الجرذان ـ بأمانته ـ حسب تعبيره ـ لم يخن الأمانة، حيث الفعل جرى في أوانه، ولا صلة للماضي به، الأمر الذي صاغ منه يوما ً من أبهى أيام المجد، والكرامات.  فكاد الخنزير يستعيد بصره، لكنه فطس من الضحك، قائلا ً، انه لم ير سوى اللحظات التي وجدت عوامل تكاملها في الظهور، بين الأسباب والنتائج، وهي ذاتها تماثل العلاقة بين المدير وضحاياه، فاستقام الحدث على ركائزه الصائبة. فاعترض صرصار على السياق، بوصفه يخلو من العلم والعلمانية، ويخلو من المنهج والمنهجية، لافتا ً النظر إلى معادلة كادت أن تغيب، معادلة تقول لا مبررات من غير فاعلين، إن كانوا أشباحا ً أو أطيافا ً، مرئيين أو لا مرئيين، فسأله الثور الأسود صاحب القرون المتعددة، بعد اختفاء الخنزير الأعمى الذي رأى النور، هل رأيت المشهد كاملا ً، من غير تشوش، وتمويهات، وضغوطات؟ فلم يجب، بل وجد ضفدعة تتباهى وتنطق بأنها جرجرت من مستنقعها، مع عشائر الضفادع، والسحالي، والسلاحف، للتمتع بنزهة العمر، والحصول على وسام الإبداع، عند المنصة الكبرى. فلم يجد الخنزير فرصة أكثر سلاسة للاختفاء، لكنه اصطدم ببعير، نهره، أأنت أعمى، فرد الخنزير عليه؛ الأعمى من لا يرى العميان.
    لكن النمل الذي تجمهر، مع الجراد، وباقي هوام المستنقعات، والصحارى، كانوا يعيدون سرد الحكاية، على نحو مختلف، كل الاختلاف، فقال كبير النمل، للنحل، وللبرغوث، وللديدان الشريطية، والحلزونية، إن السبع هو الذي ألقى بالجرذ إلى الهاوية، وعلقه بالمشنقة ليتدلى في الهواء، أزمنة طويلة، قبل أن يتحول عفنه إلى أثير، فامتعض زعيم القمل، لا يا سيدي، أنا رأيت الهاوية تنادي، فلم تجد من يستجيب لها، سوى ابنها البار، ومديرها الخالد، أما الجرذ، فعاد إلى الشق الذي خرج منه، فصفق كبير الغربان، وأمر أتباعه بالمغادرة، منوها ً، إن التعددية تجاوزت الحدود ذاتها التي خلفتها الزعامات الأحادية، والثيوحيوانية، لكن الأفعى أمسكت به، يا غراب...، لو كانت التعددية ـ كما قلت ـ غير متوازنة مع مكوناتها، فان فضائلها لا تتساوى مع آثامها، والأمر ـ قالت متابعة ـ لم يجر إلا باستكمال دورته...
   استيقظ السبع داخل فضاء قفصه الحديدي، ونادى على الجرذ، طالبا ً الاقتراب منه:
ـ ماذا تريد؟ رد الجرذ، فقال السبع:
ـ حلمت حلما ً شبيها ً بالكابوس، مركب ومشفر بالألغاز ...!
فقال كبير الجرذان:
ـ كل الاضطرابات لها خاتمة سابقة على مقدماتها....، وإلا لكنت أرسلتك إلى الهاوية، وانتهى الاحتفال!
فخاطبه السبع غاضبا ً:
ـ حتى أنت... أصبحت تشاكسني؟
ـ ماذا تريد...، هل أفسر لك حلمك الذي كنا صنعناه معا ً، وصار من الماضي؟
ـ لا، لم اطلب منك تأويلا ً، ولا شرحا ً ، ولا تفسيرا ً...، لكن الكابوس مازال ينهش  أحشائي، ويتنزه داخل رأسي!
ـ أيها الموقر، وهل كنت ستصبح سبعا ً لولا انك ولدت بمخالب صقر وبأنياب تمساح ...؟
ـ ولكنك، طوال زمن الكابوس، كنت قاسيا ًحد غياب المرح، وظالما ً حد الجور...، وأنت تعرف إن زوالك مدوّن قبل ولادتك في هذه المستعمرة؟
ـ قسما ً بالسواقي، بالحفر وبالظلمات...، أنا لم أبرح موقعي...، ولكني رأيت حلمك وأنت تأمل أن تستعيد عرشك، وتحلم بالعودة إلى المنصة، وقد رأيتك تجاوزت حافات المحرمات، والخطوط السود!
ـ يا سعادة كبير الجرذان، أيها الحارس الأمين، الصادق، لقد كان كابوسا ً تخللته استراحات وجيزة، فانا حلمت بموتي قبل أن احلم باستعادة حياتي..، فانا لم اذهب ابعد من حدود هذا القفص...، وقد آن لك أن تفتح لي الباب!
ـ قد ... قد أطلق سراحك، لكن من ذا سيحررك من الكابوس، ويشفيك من علله؟
ـ كأنك أدركت أن احدنا هو من صنع الآخر، فلا أنا أساوي شيئا ً من غيرك، ولا أنت لك اثر يذكر من غيري، والآن أراك تعمل على قلب المعادلة؟
ـ آه .. كأنك تريد الاعتراف بما لم يتبدل: لولا العبيد لتحرر السادة! وكأنك تومئ ـ عن بعد ـ لتقول: لولا الضحايا لكان القتلة غير مضطرين إلى ارتكاب جرائهم؟ إنما القضية مغايرة تماما ً: إنها محنة اغتصاب....، فلو نظرت إلى هيأتك، سيدي، لعرفت انك مهضومات فرائسك المستضعفة....!
ـ لا تجحد ...، وتذكر ما سيؤول إليه مصيرك بعد الموت؟
ـ ها، ها، لم يعد لدي ّ ما افقده...، واخسره..،  فانا ولدت كأنني لم أمت، وسأولد وكأن موتي الدائم دلالة حياة  أبدية! فانا ـ مثلك ـ كالضوء يفقد وجوده من غير الظلمات، وكالظلمات لا معنى لها من غير الضوء!
ـ إذا ً من أوقعني في غواية ارتكاب الفضائل؟
ـ آ ....، تذكرت ـ سيدي ـ عندما وقعت الحرب، وتناثرت الجثث، ولم تبق حفرة من غير مصاب، عندما صار عدد الأيتام بعدد حبات الرمل، انك كنت تبتسم...، هل تتذكر ابتسامتك الخالدة، سيدي...؟
ـ ...
ـ لكننا تعلمنا منها الصمت! فكلما قهقهت أدركنا إن النكبات على الأبواب...، تزحف كالطاعون، وكالوباء...
ـ وهل رأيت عربة تعمل من غير وقود...، هل هناك نار من غير حطب، وهل هناك هرم من غير قاعدة...؟
ـ ها أنت بدأت تذهب ابعد من حدودنا!
ـ وماذا افعل لمخلوقات طالما كانت تهتف لموتها؟
ـ لأنها ـ سيدي ـ لم تغادر حفرها، وسجونها، وعفنها...، بل حتى إنها صارت تمجد ظلماتها! وتستشهد من اجل عدمها! .. كي تنجو...، وأنت كنت تراها فتزداد بهجة!
ـ ها أنت ترتكب الإثم، لأنني كنت أروم قيادتها إلى الذرى...، والمجد، والخلود!
ـ آ ...، كي ترجعها إلى التراب، زاعما ً انك ترسلها إلى الفردوس، إنما من كان سلبها ...، إرادتها، ومن كان عطل عمل عقولها ...؟
ـ وهل للدواب عقول، وكأنك تقول: الأشجار تفكر، وللنمل ذاكرة، والجرذان تحلم؟
ـ من سلبها..، اغتصبها، روضها...، وتركها تدب، من حفرة إلى حفرة، حتى صارت لا تمجد إلا من يرسلها إلى الأثير...؟ والآن أسألك: ألا ترغب بالخروج من الكابوس؟
ـ هذه هي المعضلة...، حتى الديناصورات رحلت كما يرحل البعوض، والذباب، والبرغوث..، فما الذي احصل عليه، لو خرجت، غير أن انتظر الثعالب تبول علي ّ...، والجرذان تجادلني في المصائر...؟
ـ ...
ـ ومع ذلك انتظر منك أن تطلق سراحي، وتخرجني من هذا الكابوس.
ـ سيدي، لو فعلت، أكون تجاوزت الخيانة، مع إنني لم اشتغل جاسوسا ً ، كما لم اعمل في الدوائر المظلمة! ولم انشغل حتى بمراقبة الشاذين، آسف، اللوطيين، آسف: المثلين!
ـ يا أحمق، أنا لم اهرم بعد...، فانا خبأت لغز قوتي في التراب، وفي الماء، وفي النار، وفي العواصف... فان لم تطلق سراحي فسأضطر إلى كسر قيودي، وأنت هو من سيشرف على تدوين باقي فصول الحكاية...
ـ وستعفو عني ؟
ـ شرط أن تعرف من هو أنت...؟
ـ أستاذ، أنا لم أجد واحدا ً من سكان هذه الحديقة يجهل نفسه! فكل من رأيته، يقول: أنا ـ هو ـ من رأى ..، وفهم، وفكر، وعرف! وكأنه هو وحده مدير الشركات العابرة للكواكب والنجوم والمجرات! فلم أر بعوضة لم تبد شراسة في الدفاع عن كيانها، ولا ذبابة، وما رأيت قط فأرا ً ولا صرصارا ً لم يحلم أن يكون سبعا ً، أو في الأقل: نمرا ً أو ثعلبا ً!
ـ اجل....، اجل، حتى أردأ الديدان وضاعة تعمل للقضاء على أرقاها، فلا مكان للحشرات الجميلة في غابة خرج سكانها من عفن الآبار، أومن وحل المستنقعات الضحلة  ...!
ـ هذه هي المعضلة، هذه هي الكارثة!
ـ اخرس...، فانا سأعود كما يعود الوباء...، وانشر مجدي!
ـ مجد الطاعون؟
ـ ها أنت تجاوزت حدود الحلم!
ـ وأنت لم تشف من كابوس الزعامة.
ـ يا حمار....، أية زعامة، وأنا احتفلت الضفادع، الأرانب، الخنافس، والحشرات بغروب شمسي؟
ـ آ ....، كم كانت أيامك جميلة!
ـ ها أنت تتلذذ بالسخرية، وتلهو بزعيمك، لهو لاعب تدور من حول عنقه حبال الموت؟
ـ لا ترعبني....، قبل قليل حاولت إغوائي بإطلاق سراحك...، وها أنت تستدرجني إلى فلسفتك...؟
ـ إذا ً....، اغرب عن وجهي، ودعني ابحث عن عقار آخر أعالج فيه العلة التي لا مناص إنها سابقة في وجودها على دواء الشفاء!
صرخ الجرذ:
ـ  سأطلق سراحك!
ـ غريب ...، ما الذي حدث؟
ـ فكرت... أن تعود إلى السجن الأكبر، إلى القفص الذي لا قضبان له! بدل أن تجعل مني لعبة، أو تسحقني بإشارة من عينيك!
ـ لا ...، بل سأدعك تؤدي دور الجرذ الأعظم...، وسأنصبك زعيما ً على القطط، وعلى الكلاب.... أيضا ً.
ـ وأنت؟
ـ أنا هو من يصنع لك هذا المجد.
ـ ها، ها، لا جديد تحت هذه السماء، فلم تلد بهيمة وليدا ً يأتينا إلا بالقديم!
ـ وما الجديد؟
ـ أن لا نولد في هذه الحديقة، داخل أقفاصها، ونموت موت النعاج، والعبيد!
ـ لا تشتم شعبك، فلولا القطيع من تكون أنت...؟
ـ صفر تائه بين الاصفرار، أو مثل عدم ممتد، سراب مشغول بتمويهات الفراغات!

ـ أحسنت ...، لكن دعني أكمل...
ـ ....
ـ سأطلق سراحك، وأقول للقطيع: أمسكت بالشرير ...، وأنت ستمشي خفيض الرأس، مكسور الخاطر، مبلل المؤخرة....، ثم، في لحظة الموت، سأطلق سراحك!
ـ انك تتحدث عن نهاية الزمن؟
ـ سيدي، وهل هناك زمن كي تكون له نهاية. بالعكس: هذه هي البداية التي ستمتد لتلتهم نهايتها!
ـ كابوس ينمو كي يبلغ درجة الحلم!
ـ ها أنا ناولتك الدواء...، فما عليك إلا أن تتناوله....، كي تشفى!
ـ وتقودني ـ سيدي كبير الجرذان ـ إلى منصة الشنق، ثم تدعني أغيب؟
ـ السباع، يا أحمق، كالديناصورات، ما أن ينقرض الواحد منها، حتى يأتي الحفيد...، فليس باستطاعة احد القضاء على هذا اللغز: ديناصورات، كلاب، جرذان، أرانب، سباع، برغوث...، فهي آلات لا تمتلك إلا أن تعمل ببرمجتها! أما ترهات الثيران، والثعالب، والغربان، فما هي إلا تمويهات تعزز هذا المجد!
ـ ومن سيكون حفيدي؟
   قرب رأسه، وهمس بصوت خفيض:
ـ  أنت!
ـ  من أنا كي أكون  أنا هذا الحفيد؟
ـ أنت الأوحد...، فأنت هو الذهب الأنقى حتى من المعادن المستحدثة!
ـ وبأي ميزان ستزنني؟
ـ بالقانون ذاته الذي جعلك سيدا ً على الغابات، البراري، والصحارى.
ـ ولكني لم اعد ـ في هذه الحديقة ـ إلا صورة أزمنة صارت خارج الخدمة، وعاطلة عن العمل!
ـ آ ...، تقصد انك بلغت الذروة؟ لكنك أغفلت: إن العاطل عن العمل، هو، هو وحده، الجدير بلعب هذا الدور...
ـ لكننا ـ جميعا ً ـ لا عمل لدينا، سوى الحفاظ على القانون: لا تعمل، ولا تدع سواك يعمل...؟
ـ تقصد: لا تفكر ولا تدع أحدا ً يفكر..؟
ـ ليس هذا تماما ً..، بل: لنعمل العمل الوحيد الذي لا يسمح إلا بديمومة هذا العمل!
ـ وجدتها، سيدي، وجدتها!
ـ ما هي؟
ـ  أن أطلق سراحك، كي ادخل أنا القفص، فأنت ستكون الجلاد،  وأنا سأكون الضحية؟
ـ فكرة ليست باطلة...، قل لي: كيف خطرت ببالك؟
ـ سيدي، العاطل عن العمل، وحده، يجيد الابتكار..! وهكذا استعيد مجدي الغائب.
ـ وأنا أصبح حارسا ً...، لكن، ما هي ... مهمتي؟
ـ  أن تطلق سراحي، وتقودني إلى منصة الخلود!
ـ لتحتفل بالقضاء على سلالة الجرذان؟
ـ لا.. أيها الحمار...، لأنني ـ حينئذ ـ سأدعو إلى انتخابك ...
ـ ومن ينتخبني؟
ـ البعوض، البرغوث، الصراصير، كما سأستدعي المنقرضات، الزواحف، والثدييات، وكل دابة تدب، وكل من في الماء، وفي الهواء...، فأنت ستحصل على نسبة 99%...!
صرخ السبع غاضبا ً:
ـ  ومن هذا الذي عصى أوامر عدم انتخابي، كي احصل على 99%؟
ـ لا احد!
ـ كيف...، وأنت لم تضع 1000%، شرطا ً للخاتمة؟
ـ اللا احد ... سيدي، هو العامل المساعد كضرورة لإعلان المساواة، فالانعتاق لا غبار عليه لو حصل من غير العاب بهلوانية!
ـ ما أذكاك ..!
ـ سيدي، أنا هو من سلالتك ذاتها، فقد حفظت لغز مورثاتك ... كاملة، ولم اخف مدى قدرتها على بلوغ الذروة؟
ـ يكاد رأسي يتخلى عني؟
ـ ستتعلم، سيدي، إن السلطة تروض براءتك، وعفتك، وأمانتك!  وتجعل منكم ـ سيدي ـ قدوة!
ـ للجرذان...، في هذا العالم المنحدر نحو الغروب..، والزوال؟
ـ سنزول معك...، فالكل يلقون المصير ذاته. فالسفينة عندما تغرق لا تدع أحدا ً يتمتع حتى بمن أغرقها!
ـ آ ....، السبع أفاق، فوجد انه  يتتبع خطا أحلام ضحاياه!
ـ هو ذا القانون الذي ينسج الحكاية ذاتها، فلا ثمة عبيد، ولا ثمة طغاة، ماداموا هم شركاء في السرد!
ـ أكاد اصدق أني أصبحت خارج هذا القفص!
ـ حتى لو لم تصدق، سيدي، فالحقيقة وحدها لن تدحض!
ـ حقيقة أنكم أصبحتم أحرارا ً، وطلقاء، كما خرجتم من أرحام أمهاتكم!
ـ بل ـ سيدي ـ أصبحنا خارج قيودنا، وخارج أرحام أمهاتنا أيضا ً!
ـ الم ْ اقل لكم ذلك...، ولكنكم لم تصدقونني!
ـ ها نحن نرصف لك الدرب... فسر!
ـ والآن ...، أرجوك، افتح هذا الباب اللعين...
ـ لا وجود لهذا الباب...، ولا وجود لأي جدار، أو سور، أو حائط...، لا توجد، بعد الآن، محرمات، أو ممنوعات باستطاعتها أن تمنع ولادة الفجر الجديد....، فالغابة من غير حشرات، ديدان، ونمل، شبيهة بكتاب من غير  حروف!
ـ اسمع يا ملعون: أراك أغويتني، فصرت تتحكم بمسارات الحلم!
ـ سيدي، هذا هو: كابوس المجد!
ـ ومن طلب منك أن تخترع لي هذا المجد؟
ـ انه..، سيدي، الذي منعك عنه، هو، جعلني افعل ذلك!
ـ ها أنا أرى المنصة، ها أنا أراك، ها أنا أغيب، مرة أخرى...
ـ لا تتأخر ...، سيدي!
ـ وماذا سيقولون إن لم اعد؟
ـ سنبقى عند المنصة، عند ضفاف الأنهار، في الوديان، في البراري، في الشقوق، وعند الآبار...، في الغابات وفي الحدائق....، نطلبك، نناديك، نترجى حضورك...، فان لم تأت، فدربك لن يغيب عنا، حتى لو غبت!
ـ آ ....، أيها العقل المحنك، كأنك أنت هو الموت جاء ليقطف روحي؟
ـ تقصد ....، يعيدها إليك؟
ـ  ها، ها، وهل كانت لدي ّ روح...، أيها العقل المختل، كي يأخذها؟
ـ آ ...، سيدي، كم تبدو جبارا ً، وأنت تنتصب، مثل صخرة فوق بوابات الجحيم! بل كأنك الهرم ذاته، مات صاحبه كي تبقى الحجارة تروي  حكايتها العنيدة!
ـ الم ْ تتعب، يا جرذ، الم ْ تضجر من استدراج أحلامك الهامدة، لتبثها، في ارض جفت ينابيعها، فجف زرعها، وهلكت مواشيها، وخلت حتى من العويل؟
ـ  سيدي، هذه هي: أحلام ضحاياك، ألا تسمعها، أم أنت فقدت السمع أيضا ً؟
ـ أنا لا اسمع إلا الدوى...، داخل هذا الرأس! فانا لا اسمع إلا صوتي!
ـ انه صوتنا...، صوت الرمل ممتزجا ً بصوت الريح، صوت الصمت مخلوطا ً بحبيبات الزمن...، فهو يدب، يزحف، يترنح...، ألا تراه...، ألا ترى غيابك وقد غدا في ذروة حضوره؟
ـ لا أرى شيئا ً محددا ً...، عدا سماع صرير المفتاح يدور في القفل...، اسمعه ولا اسمعه، وكأني لا أرى إلا حافات الإعصار، تعزلني عنكم، وتعزلكم عني، وانتم تقودون خطاي إلى أعماق الهاوية؛ هاوية المجد، والخلود!
ـ سيدي، هذا هو المجد!
ـ لا فائدة من الغواية، فالأحفاد يتناسلون، من غير رأس أو ذنب، البعوض يلد الدواب، والزواحف تلد الطيور، البرغوث ينز مع الثيران، والثعالب تتصاهر مع النمور، الكلاب تبني حديقة القطط، والجرذان تحتفل بيوم الخلود!
ـ آن لك ـ سيدي ـ أن تفرح، فمن يموت بلا بهجة، كأنه ولد من غير ذنب، ومن ولد من غير خطيئة، كأنه، مرة بعد أخرى، منذ الأزل إلى الأبد، ولد كي لا يموت!
14/3/2016
Az4445363@gmail.com

الفنانة فخر النساء تستيقظ من رقادها علي كلمات تلميذتها لمسات لونية تمردت علي عصر الحريم - مؤيد داود البصام






الفنانة  فخر النساء تستيقظ من رقادها علي كلمات تلميذتها
لمسات لونية تمردت علي عصر الحريم
 


مؤيد داود البصام
أقام المركز الثقافي الملكي أولي فعالياته للحوارات البصرية المفتوحة والذي يديره د. مازن عصفور علي المسرح الدائري حول أعمال الفنانة الراحلة فخر النساء وتلميذتها الفنانة هند ناصر وقد ابتدأ د. مازن الفعالية بشرح أهمية مثل هذه اللقاءات التي ينظمها المركز لتساهم علي خلق مناخات تواصليه بين الفنانين والمتلقين مما يساهم في تنمية الذائقة الفنية لدي المتلقي. ثم تحدثت الفنانة هند ناصر عن تجربتها مع الفنانة الراحلة التي امتدت عبر خمسة عشر عاما قائلة (كانت تمدنا بالحيوية والنشاط بما تمتلكه أعمالها من لمسة من الفن الشرقي التي تمتاز بالزخرفة والمشربيات) ثم أضافت الفنانة هند أثناء عرض أعمال الفنانة الراحلة علي الشاشة (امتازت أعمالها آنذاك برؤية العالم من خلال المشربيات التي استقتها من مشاهداتها حينما كانت في العراق بألوان زاهية تمثل الروح الشرقية الذي يميزها عن الغرب فهي بدأت بالتجريب حتي انتهت بالتجريد وتحولت من الشكل و الأبعاد والعمق إلي تسطيحه إلي أن أصبح نقاطا ثم إلي تقنية) بعدها عرضت أعمال الفنانة هند وتحدثت عن أعمالها وتأثيرات الفنانة فخر النساء علي أعمالها. دار حوار بعد ذلك بين الجمهور والفنانة هند ود. مازن ابتدأه الفنان محمد العامري وتلاه مجموعة من الفنانين والنقاد في النقاش الفنان والناقد محمد أبو زريق والفنانة سامية الزرو والفنان مؤيد البصام ومما يذكر فان الفنانة الراحلة فخر النساء كانت من مواليد اسطنبول عام 1902 تأثرت في بداية حياتها بمدرسة الخط التركي والنمنمات الفارسية وعندما غادرت تركيا إلي باريس ومع تنقلاتها في العواصم الأوربية تأثرت واندمجت مع الحركات الفنية التي كانت تموج بها الساحة الأوربية فتأثرت بالانطباعية وبعد انضمامها الي جماعة (د) بدأت تأثيرات رمزية البيرت ماركيه وهنري ماتيس تظهر في أعمالها ثم نحت نحو التجريدية التعبيرية، كانت تمتلك إيقاعا قويا للخطوط تسيطر عليه، يتضح هذا في أعمالها الانطباعية والرمزية وهو من آثار مدرسة الخط التركية التي كانت لها السيادة علي ضوء توجهات الدولة العثمانية السلفية والتي جعلت مدارس الخط تضم اغلب أبناء الأمراء والعائلات المعروفة لأنهم اعتبروا الخط من اشرف الأعمال وقد عرضت أعمال الفنانة فخر النساء في اغلب المعارض الأوروبية والأمريكية وأعمالها موجودة في اغلب المتاحف العالمية، أم أعمال الفنانة هند ناصر فتختلف عن أعمال الفنانة فخر النساء كونها تستخدم المساحة اللونية بديلا عن الخط حتي في الأعمال التعبيرية مع استخدامها للألوان الوحشية والمساحات بلون واحد يقطع بلون دون حدود باستخدام القطع بين الألوان لتغطية السطح بنقاوته من التداخل اللوني والمزج، واستخدمت الفنانة فخر النساء في بعض من لوحاتها هذا الأسلوب بتقسيمها للسطح الي أقسام ملونة بمدها علي السطح وليس للإنشاء ويغلب علي أعمال الفنانة هند لوحات الطبيعة والتجريد اللوني.



الشتات الفني العراقي!- د. إحسان فتحي

الشتات الفني العراقي!

 د. إحسان فتحي


إن هجرة الكفاءات العراقية بكافة أنواعها ومستوياتها لهي ظاهرة كان لها اكبرالاثر في تراجع العراق كدولة وكمجتمع إلى أدنى الدرجات اقتصاديا وتكنولوجيا وتعليميا وعمرانيا وفنيا وذوقيا وحضاريا وفي كل شيء. فأنت إن أردت تدمير دولة فما عليك إلا أن تطرد طبقتها الوسطى وكفاءتها!  إن هذا الانحدار(الذي بدء منذ إسقاط النظام الملكي في 1958 وتصاعد تدريجيا بعد ذلك) شمل ويشمل كل تفاصيل الحياة، ومن الصعب أن نرى أي استثناء لهذا التدهور في أي مجال، بل على العكس من ذلك، فان هذه الظاهرة المدمرة كانت لها تفاعلات متصاعدة ولوغارثمية. فتفجرت الطائفية المتخلفة في أبشع حالاتها، وانتشر الفساد بشكل خيالي يصعب تصوره في اي "دولة"، وسقطت الاخلاق والقيم النبيلة، وانقلبت المعايير والموازين، وتقهقر الذوق العام الى درجة مضحكة من الصعب، بل من المستحيل، ان تجد لها مثيلا إلا في اتعس المجتمعات البدائية في الكرة الأرضية. أصبحت قيمة الإنسان تقترب من درجة الصفر...والمعاناة اليومية المهينة أضحت مقبولة لا يعترض عليها احد.
من بين هذه الهجرات الكارثية هي نزوح الأغلبية الساحقة من ابرز الفنانين العراقيين الى دول غربية عديدة وإقامتهم وتجنسهم فيها. الهجرة إلى الدول العربية محدودة لأنها صعبة والإقامة فيها باتت شبه مستحيلة بسبب الكرم أو الضيافة العربية ذائعة الصيت!  ومن الصعب جدا الان، وبعد مروركل هذه الفترة الزمنية، وتجذرهم هم وعوائلهم ان يرجع، او حتى ان يفكربالرجوع، اي منهم الى الوطن. انها تذكرة بأتجاه واحد دون رجعة!  هكذا هو الامر...العراق تميز بطرده لخيرة أبنائه...  العراق هوالاول في تهجيروتشتيت كفاءاته...القسوة هنا تحطم القلب...فأنت تبيع أغلى ما عندك من كتب ومقتنيات بأبخس الاثمان... تترك دارتك الحنونة واخوانك واخواتك واصدقائك...الدموع تحرق العيون والخدود... وحديقتك المشبعة بعطر الجوري والقداح تتوارى بعيدا...البلابل توقفت عن التغريد منذ زمن...المقابر تنمو بسرعة وتبتلع الاموات بلهفة ولوعة ...فارضها متعطشة للدماء...وتشد رحالك الى عالم مجهول مبتدءا من الصفر...نعم من الصفر...انها مغامرة خطرة، غير محسوبة، مجهولة، لكنها الوحيدة المتاحة... انت وصلت الى درب معتم ومسدود... وباب ثقيلة موصدة بأقفال عملاقة...نعم هكذا هو الامر... تذكرة طرد باتجاه واحد!
ولكي اوضح فداحة الامر، سأبين لكم هنا قائمة باسماء بعض الفنانين العراقيين التشكيليين المقيمين في شتات المهجر. ان الاعداد
الحقيقية هي اكثر بكثيرولكنها، بالرغم من ذلك، تعطيكم مؤشرا لافتا وحزينا:
المملكة المتحدة: ضياء العزاوي، سعاد العطار، فيصل لعيبي، علاء بشير، هناء مال الله، بتول الفكيكي، هاشم سمرجي، رشاد سليم، وليد ستي، امين شتي، صادق طعمة، علاء سريح، عبد الرحيم الوكيل، سعدي داود، ساطع هاشم، علاء جمعة، كريم الاسدي، عبير الخطيب، يوسف الناصر، مهين الصراف، فهر الصالح، يوسف الناصر، عصام السعيد (ت 1988)، ناظم رمزي (ت 2013)، باسم مهدي، هاني مظهر، صادق طعمة، زينب الجواري، حسن الجراح، سؤدد النائب، احمد العزوز، محمد علي داود، ميروان جلال، ريبوار سعيد، اناهيد سركيس، جنان العاني، جلال علوان، ليلى العقابي، أنسام الجراح، واخرون.
الولايات المتحدة الامريكية: سعدي الكعبي، هاشم الطويل، طارق ابراهيم، عامر العبيدي، نزار يحي، صالح الجميعي، هيثم حسن، محمد فرادي، احمد السوداني، محمد الشمري، غالب المنصوري، حميد العطار، دلير شاكر، صدرالدين امين، عامر فتوحي، قيس السندي، نزيهة رشيد، خالد ثامر، عبد الحسين تويج، فؤاد مرزا، سعيد حيدر، وفاء بلال، طالب العلاق، سلام عمر، نجم جيجان، اديب مكي، سلام النوري، هناء الوردي، هيف قهرمان، سنان حسين، اسامة عبد الكريم، فائق حسين (ت 2003)، عبد الامير علوان (ت 2014)، عبد الكريم خليل، عامرعلي، رائد نوري الراوي، ناصر ثامر، أحمد غريب، أحمد الكرخي، بول بطو، سلام عمر، فيان سورا، وسماء الشوربجي، واخرون.
كندا: عيسى حنا (ت 2010) سهيل الهنداوي، سومر الهنداوي، علي المعمار، هيثم عزيزة، ماضي حسن، محمود العبيدي، هاشم حنون، كريم رسن، زينا مصطفى سليم، فؤاد حمدي، مها مصطفى، سلام خضر، حبوش ابراهيم رضا، جبار الجنابي، محمد القاسم، موفق نعمة، سيف جلميران، واخرون.
هولندا: علي طالب، عفيفة لعيبي، فردوس حبيب،  ستار كاووش، ايمان علي، حليم عبد الكريم، نديم كوفي، صادق كويش، سلمان البصري، محمد قريشي، تركي عبد الامير،علي رشيد، فاضل نعمة، ابراهيم رشيد، مهى عبد الكريم، قاسم الساعدي، أراس كريم، هوشيار رشيد، أراز طالب، عوني ساقي، سلام جاز، زياد حيدر، حسام محمد (ت)، بشير مهدي، برهان صالح، فاضل جواد المسافري، كمال خريش، مهند العلاق، رملة الجاسم، سلام عباس جرار، أور حميد البصري، واخرون.
ألمانيا: خالد النائب، مكي حسين، ودود الشيخلي، منير العبيدي، موريس حداد، جبار سلمان، داود سلمان عناد (ت 2012)، غازي الدليمي، حسام البصام، حسن الحداد، فحمان الجابري، منصور البكري، رياض البزاز، سامي احمد الشرع، يونس العزاوي، ايمان عبدالله محمود،نور الدين امين، رضا حسن رضا، واخرون.
فرنسا: فائق حسن (ت 1992)، أرداش كاكافيان (ت 2000)، محمد سعيد الصكار (ت 2014)، مهدي مطشر، غسان فيضي، صلاح جياد، سعد علي، عاصم عبد الامير، نعمان هادي الوكيل، هيمت علي، غني العاني، حسن مسعودي، سليم عبد الله، دلشاد كويستاني، عباس العتابي، عقيل الاوسي، أياد الجلبي، رغد عبد الواحد، يوسف ناصر، واخرون.
ايطاليا: جبر علوان، علي الجابري، عزيز كاظم، رسمي الخفاجي، ازاد ناناكيلي، يوسف حبيب، فؤاد عزيز، علي العساف، مالك المالكي، بهاء بالدين، بشير مهدي، احمد بالدين، جيمس كراني، فؤاد علي، علي عساف، هلال حامد، توفيق سمكو، بالدين احمد، عدنان أطيمش (ت 2012)، سليم عبدالله، واخرون.
الدنمارك: علي جبار، عباس كاظم، ياسين عطية ( قتل في انفجار في بغداد 2013)، واخرون.
السويد: سميرة عبد الوهاب، كريم سعدون، شيبان احمد، عامر سلمان، علي النجار،عبد الاله لعيبي، كاظم الداخل، حيدر علي، عمار داود، عايد جاسم، محمد سامي، سلمان راضي، مظهر احمد، احمد نصيف، حقي جاسم، ابراهيم رشيد، واخرون.
النرويج: يحي الشيخ، واخرون.
النمسا: مخلد المختار، رحمن حاوي، واخرون.
سويسرا: كريم فرحان، فائق العبودي، سعيد فرحان، سلام الشيخ، واخرون.
فنلندا: عادل عابدين (الاردن ايضا)، ستار الفرطوسي، عامرخطيب، علاء الدباغ، كوثر الراوي،  واخرون.
اسبانيا: كاظم شمهود، مازن سامي، سعد علي، جودت حسيب، كمال سلطان، منير السعداوي، واخرون.
جيكيا: محمود صبري ( ت 2012)
استراليا: جسام خضر، سيف المراياتي، مازن احمد، واخرون.
الاردن: وداد الاورفلي، رافع الناصري (ت 2014)، محمد غني (ت 2011)،محمد مهر الدين (ت 2015)، ماهود احمد، سلمان عباس، سيروان بران، شنيار عبد الله، غسان غائب، علي التاجر، نشأت الالوسي، راجحة القدسي، عزام البزاز، سعيد شنين، ضياء الراوي، سينا عطا، ليث الترك، خالد وهل، علي زيني، ندى يونس، سوسن الصراف، زينب فيضي، ياسين المحمداوي (ت 2003)، خالد القصاب (ت 2004)، محمد صبري (ت 2004)، مديحة عمر (ت 2005)، وسماء الاغا (ت 2015)، واخرون.
لبنان: عمران القيسي، ليلى كبة، رياض نعمة، نهى الراضي (ت 2004).
ألامارات: ناطق الالوسي، وائل المرعب، أياد الحسيني، محمد تعبان، سرمد الموسوي، حسين السلوان، سرمد الموسوي، خالد المقدادي، معتصم الكبيسي، حسين القيسي، زيد الاعظمي، رياض معتوق، محمد خالد، ليلى العكيلي، واخرون.
قطر: إسماعيل عزام، احمد البحراني، سالم مذكور، مزاحم الناصري، وليد القيسي، كريم البكري، نهاد العزاوي، واخرون.
عمان: شوكت الربيعي، صبيح كلش.
وهناك مئات آخرون لا نعرفهم في المهجر...  ...ومئات يتلهفون الفرصة لبناء حياة جديدة من الصفر.
 * معماري، عضو نقابة المهندسين منذ 1968
عضو جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين منذ 1968
عضو رابطة نقاد الفن العالمية منذ 1987
آذار 2016



خطاب أوباما والذين يظنون "أن الضبع يبتسم"-صائب خليل

خطاب أوباما والذين يظنون "أن الضبع يبتسم"

صائب خليل
16 آذار 2016

أثارت الحركتان الأمريكيتان الأخيرتان بمهاجمة أوباما للسعودية (1) وزيارة القنصل الأمريكي لجرحى الحشد(2)، قلقا وشعوراً بأن شيئاً مشبوهاً يوشك ان يحدث. لكن ما تسبب لي بالقلق الأكبر هو رد الفعل "الإيجابي" الغريب لدى الحشد لزيارة القنصل!
عندما قرأت خبر زيارة القنصل، ورأيته يلوك العربية في الفلم، تذكرت فوراً "سفرة الموت" عام 1989، حينما رأينا مفاجأة أخرى كانت خارج المألوف أيضا، عندما اخذ صدام حسين ضحيته "عدنان خير الله" في سفرة سياحية إلى الحبانية نقلت على الهواء مباشرة، ليوحي للناس أن علاقتهما على أفضل ما تكون. وفهم الناس بعد ذلك سر هذا التلطف المفاجئ والغريب من صدام حسين، حين "سقطت" طائرة وزير الدفاع السابق عدنان جراء "خلل فني"! فهم الجميع عندها الخدعة وأن ذلك اللطف تجاه الضحية لم يكن إلا "صك تبرئة" يتم إعداده ليسبق الجريمة المخططة للقضاء عليها.

وإذا كان صدام حسين قد سعى لتقديم صك تبرئة واحد قبل ارتكابه فعلته فإن أميركا تقدم اليوم للشعب العراقي صكين! إذ لا تكتفي بالزيارة المثيرة للانتباه للقنصل الأمريكي في البصرة، بل ترفقها بهجوم أكثر إثارة للانتباه لأوباما ضد السعودية. ورغم انها ليست المرة الأولى التي يهاجم فيها مسؤول أمريكي كبير، بعض عملائهم، (بايدن والإمارات مثلا قبل فترة وجيزة) في تمثيلية القصد منها إلقاء لوم الجرائم الأمريكية على العملاء، إلا أنها كانت هذه المرة أشد. وكذلك، وعلى غير العادة، وربما لإعطاء الأمر المزيد من الأهمية والمصداقية، فإن مسؤولا سعوديا سابقا، قام بالرد على المهاجم، وكانوا دائما يكتفون بالصمت في الماضي.

قلت أن ما اثار قلقي واستغرابي هو رد الفعل للبعض وخاصة جرحى الحشد على تلك الزيارة المقلقة، ورد فعل الناس على تصريح أوباما. وكأن خصوم اميركا كانوا في انتظار أن تلقي لهم عدوتهم بوردة، لينسوا كل ما فعلته بهم ويهرعون وهم مطمئنون إلى حضن الوحش الذي طالما أوغل في دمائهم ومازال!

قيادة الحشد لم تكن مرحبة بالزيارة. فقال العامري في بيان مقتضب، “لا نرحب بزيارة القنصل الأميركي لجرحى الحشد”، مضيفاً بالقول “لو كانوا جادين لأوقفوا تصريحاتهم السيئة ضد الحشد الشعبي”.
وكذلك قال المتحدث باسم حركة عصائب أهل الحق نعيم العبودي، على الزيارة "ان كانت هذه الزيارة إنسانية فهي متأخرة"، مضيفاً "أنها زيارة ذات طابع استراتيجي لا أكثر".(3)

السيد مقتدى الصدر قدم ردا مباشراً وقوياً، برفض زيارة القنصل ودعوة الحشد إلى "التبرؤ منه سريعا"، ومنعه من التدخل في شؤون المجاهدين، ووصفه بـ "الإرهابي"، محذرا من يتماهى معهم بأنه سيكون "في خندق غير خندقهم"، مضيفا أنه لو لم يكن منشغلا بالإصلاحات لكان رده "شديداً".(4)

لكن الرد الأقوى والأوضح كان بلا شك رد الشيخ اوس الخفاجي، والذي وجه رسالة رفض لا لبس فيها ولا تأويل، ولم يترك حتى باب التراجع أو الدبلوماسية مفتوحا، ووصف الأمريكان بالأعداء وذكر القنصل (وكذلك العراقيين الذين نسوا) بأن الحشد قد تلقى هداياهم بشكل قنابل وصواريخ أرسلت إليهم "بالخطأ"، وقال له أنه غير مرحب به وأنه لا يضمن سلامته إن هو كرر الأمر! (5)

لكن ما لا نفهمه هو كيف أتيح للقنصل الأمريكي أن يزور جرحى الحشد دون موافقة قادته؟ وهل يمكن زيارة هؤلاء الجرحى من قبل أي كان دون إشعار قيادة الحشد؟ أليس في الأمر خطرا على سلامتهم من داعش مثلا؟ إنها أسئلة قد تكشف خللاً في مكان ما.
وربما يكون بعض الجواب في بيان كتائب حزب الله الرافض للزيارة أيضا، حيث أعلن المتحدث العسكري باسم المقاومة الاسلامية العراقية (كتائب حزب الله) جعفر الحسيني رفض الكتائب زيارة القنصل الامريكي لجرحى الحشد الشعبي في البصرة، واعتبرها محاولة للمساس بسمعة الحشد من قبل الجانب الأمريكي، مضيفاً انه فعل ذلك على اساس انه ناشط في المنظمات الانسانية العالمية وليس مسؤولا أمريكيا! وقال إن من رحب بزيارة القنصل لا يمثل كتائب حزب الله في حربها ضد داعش ومن يقف ورائها. (6)

ونحن نرى إذن بوضوح أن تلك الزيارة لم تكن على خلفيات تقارب أو مصالحة وإنما كانت اقرب ما تكون إلى الحيل الأمريكية المعروفة، والتي يحاولون بدعم من الإعلام المأجور، تصويرها بشكل يناسب خطة ما في أذهانهم. ويجب ان نتذكر من الجهة الأخرى، إننا لا نعلم على وجه التأكيد إن كانت ردود الفعل الإيجابي التي ظهرت على وسائل الإعلام متماهية مع حركة القنصل الأمريكي، وأن لها وزنها ونسبتها المهمة، أم أن هذا ما ارادت قنوات التلفزيون أن توهمنا به. فنحن نبقى على وعي بأن اعيننا معصوبة لا ترى إلا ما يريده الإعلام الأمريكي والإسرائيلي الذي يدفع تكاليف قنواتنا، لها ان تراه. ومن نقل ردود فعل الجرحى على زيارة القنصل، يمكنه أن يختار العينات التي يريدها لينقلها للتلفزيون. وإن كانت هناك ثلاثة ردود "إيجابية" بين مئة رفض واستنكار، فإن تلك الأخيرة ستحذف كلها ليتم وضع تلك الثلاثة النشاز وكأنها تمثل رد العفل. وهذا يحدث كثيرا جدا في الإعلام، خاصة عندما تكون القضية "مهمة". فمن الغريب جداً أن يتفاءل الضحايا بزيارة من يعلمون تماما أنه يمثل القاتل الرئيسي لبلادهم، ورأس الأفعى التي أطلقت سمها عليهم وعلى رفاقهم، مثلما عبر قادة الحشد عنه في رفضهم.

ومثل التطبيل الإعلامي العراقي المعادي للعراقيين لزيارة القنصل الأمريكي لجرحى الحشد، حصل تصريح أوباما الهادف إلى توجيه أصابع الاتهام إلى ذيول أميركا بدلا من الرأس، على الدعم من الإعلام والمنظمات المشبوهة. فأكد علي السراي “رئيس المنظمة الدولية لمكافحة الارهاب والتطرف الديني”، بشكل غير مباشر، بأن المشكلة هي مشكلة تطرف ديني بحت، موهماً إيانا أن ليس للأمريكان والإسرائيليين أو أي أحد آخر علاقة بها، عندما دعا إلى "تشكيل جبهة عالمية موحدة للوقوف بوجه" الكيان السعودي، وهي لا تختلف عن الدعوات المخادعة للوقوف العالمي بوجه الإرهاب أو بوجه داعش، وكأن الإرهاب أو داعش أو السعودية قادرة بذاتها على مواجهة أحد، دون أن تساندها أكبر القوى وأكثرها إيغالا في الشر. (7)

إن إعطاء السعودية دورا قياديا في الأمر، يجد صدى مساعدا في الكارهين لها، وهم محقون في كرههم. وفي الوقت الذي قد يقف فيه السنة مندهشين مما يحدث بفضل المشاعر الطائفية، فأن المشاعر الطائفية لدى الشيعة في العراق تشجع قبول القصة كحقيقة، لذلك فهم الأكثر عرضة للخداع في هذه النقطة وتصور الذيل رأساً والانشغال به، بل وربما مقاومة أية محاولة للتنبيه، وتفسيرها على أنها محاولة للدفاع عن ذلك الذيل.

وعلى اية حال، ومهما كانت نسبة المخدوعين، فهي كبيرة، لأنها تستند إلى قبول أشياء لا يجب أن يخطر ببال عاقل ان يقبلها. ففكرة أن "السعودية" هي التي تقود الإرهاب، وأن أميركا تقف ضده، فكرة سخيفة للغاية. فرغم اننا نعلم بأن السعودية كانت دائما عنصر تخريب وإرهاب في المنطقة وضد كل شعب يتحرك فيها، ولكننا لا ننسى أبدا انها كانت تفعل ذلك دائما وفي كل حركة بلا استثناء، تنفيذا لأجندة أمريكية وبأوامر أمريكية مباشرة! وقبل ان نقبل أن نتخيل أن السعودية يمكن ان تتصرف في أمر خطير كهذا بشكل يعارض أميركا، علينا أن نتذكر أن هناك قانونا أمريكيا يعتبر الدول الداعمة للإرهاب، جزء من الإرهاب، ويحق لأميركا ان تعاملها على هذا الأساس! وأن هذا القانون وشدة خطر العدوانية الأمريكية، جعلت الكبار نسبيا، مثل إيران وسوريا يتعاونان في لحظات معينة، مع أميركا لإنقاذ أنفسهما من براثنها عندما تكون في لحظة غضب. فكيف يجرؤ حكام السعودية أو قطر، الذين تبدل اميركا أكبر قيادييهم، كما يبدل الرئيس حذاءه، على أن يدعموا إرهابا تحاربه أميركا وتقول إنه يشكل خطرا عليها؟

ما يزيد الغرابة من الانخداع، أن الأمثلة على مثل هذه الحركات كثيرة جداً. لعلنا لم ننس اللطف الزائد من السيد أردوغان وأسطول حريته للفلسطينيين وتقريعه لقادة إسرائيل وإقامة علاقات وطيدة جدا مع سوريا، ليتمكن بعد ذلك من توجيه الطعنة النجلاء في الظهر، لسوريا وللعرب كلهم بدعمه وقيادته لداعش ودوره الأساسي في تحطيم سوريا والعراق وسرقة نفطهما، بل واختراق حدودهما والطموح إلى احتلال أراضيهما!

ولدينا أيضا مثال في الموقف الأميركي نفسه من سوريا. فنذكّر من نسي، بأن حملة الإرهاب الداعشية في سوريا قد بدأت بتقرب أمريكي غير معتاد من سوريا وحكومتها. فأعادت اميركا تعيين سفير لها في سوريا لأول مرة بعد مقاطعة دامت عقودا طويلة. لكن دهشة القيادة السورية وربما فرحتها الساذجة بهذا التغيير غير المفسر، لم تطل كثيراً، فقد قاد هذا السفير عملية إطلاق التظاهرات في حمص وحلب وكان يقوم بزيارات مكوكية إليهم، لإشعال النيران التي أتت على البلاد!

إننا نريد ونتمنى، بل هي اقصى امنياتنا أن تتغير هذه الدولة التي أذاقت البشر الكثير من الدماء، وبخاصة دماءنا، وكذلك بشار الأسد، كان يتمنى عودة العلاقات مع اميركا وإلغاء حصارها عليه. لكن أحلام التمني التي لا أساس لها، قادت الأسد إلى الدمار التام لبلاده، ولا أرى مبررا ألا أتوقع ذات النتيجة في العراق، إن لم تكن أكثر سوءاً.

إن من يريد البقاء على قيد الحياة من الأحياء، يجب ان يتذكر تجاربها، وأن يتحلى بحد أدنى من الوعي، لا أن يكون فاقدا للذاكرة والوعي، ويقفز لأول أمل كاذب لا أساس له ليسقط في الفخ. فنحن في غابة لا ترحم المغفلين غير المنتبهين.

فلطالما أثار انتباهي ان الضباع لها فم يبدو بسبب تركيبته، وكأنها تضحك حين تكشر عن انيابها، ولكن لا شك عندي أن فرائسها ومنافسيها، لا يسارعون إلى الاستسلام لأمانيهم وافتراض "إن الضبع يبتسم"، وأنه "تغير" لحكمة لا يعلمها إلا الله، وصار "صديقا" لفرائسه، وأنهم بفضل تلك المعجزة السعيدة، صاروا بأمان من فكه الرهيب. إننا لن نرى حيواناً بهذه البلاهة يسير على الأرض، لأنه إن وجد يوماً فلا شك أنه قد انقرض! فما بالنا نحن لا نمتلك حتى حكمة الحيوان البسيط؟ لمَ نتصرف وكأننا مخدرون في انتظار أول إشارة ممن يخدعنا، لنقبلها دون ان نختبرها بأية أسئلة، فنفتح له الباب ليذبحنا بلا مقاومة؟

(1) President Obama’s Interview With Jeffrey Goldberg on Syria and Foreign Policy - The Atlantic
 http://www.theatlantic.com/magazine/archive/2016/04/the-obama-doctrine/471525/
(2) القنصل الاميركي العام في البصرة يزور جرحى قوات الحشد الشعبي  https://www.youtube.com/watch?v=pho8b_5xh5k
(3) أهل الحق لـ"آسيا": الحشد أفشل المخططات الأمريكية - وكالة أنباء آسيا
 http://www.asianewslb.com/index.php?page=article&id=19004
(4)  الصدر يصف القنصل الامريكي بالإرهابي ويدعو الى التبرئ من زيارته ومنعه من التدخل في شؤون المجاهدين »
 http://goo.gl/uvFaam
(5) الى قنصل الشر الامريكي في البصرة ... لا تعد لمثلها ... رسالة الشيخ أوس الخفاحي - YouTube
 https://www.youtube.com/watch?v=fQynvJUY19E
(6) كتائب حزب الله ترفض زيارة القنصل الامريكي لجرحى الحشد الشعبي في البصرة وتعتبرها مساس بسمعة الحشد
 http://www.falmoqawama.com/13001-2/

(7)  السراي مخاطباً الامم المتحدة إن توفرت لديكم الإرادة الحقيقية لضرب الارهاب فعليكم القضاء على بني سعود
 http://iraq.neinawa2.com/?p=4227


الاثنين، 14 مارس 2016

أختام*- عادل كامل




















أختام*

عادل كامل
 [21] خاتمة تؤدي دور المقدمة
    ليس لأنني في اشد الساعات شعورا ً بالوحدة، بسبب العوامل غير الشخصية، وليس بسبب شعوري منفيا ً، محبطا ً، مخلوعا ً، بدوافع استحالة تجانسي مع هذا الذي فقد سماته الاعتيادية، المألوفة، التقليدية، وليس بدواعي غياب ما توفر للنبات، أو للطير، من آمان مؤجل، وليس لأن قانون اللا رحمة مكث يمسك بأدق المفاصل، وأكثرها حساسية، فحسب، بل لأسباب تبدو  إنها قائمة على نظام مغاير للأمل الذي راودنا، عند تحول أسلافنا، من مخلوعين ومنفيين تائهين في المستنقعات، البراري، الوديان، إلى: نسبة ضئيلة تتحكم بالمصائر، من غير بناء قاعدة تشذب درجات (الجور) والتعسف،  والانتهاك...
    بسبب هذا كله، في مجتمع صار  الخروج من عصره الاقتصادي (البري/ الابتدائي/ السحيق)، مستحيلا ً، إزاء التقدم الحاصل في مجتمعات لم تتوفر لديها ما لدينا من موارد وطاقات بشرية وكنوز أنجزتها الحقب الذهبية، بحثت عن الوهم ذاته الذي قاد أسلافي ـ في أقدم العصور أو في زمني ـ للعثور على فردوس لا وجود له إلا في: الفن!
    لكن هذا كله لم يعمق المسار الفردي، بل على العكس، عزز حقيقة: إننا ولدنا جماعات، وإن عصيان الأفراد، وتمردهم، أو خروجهم عن الجماعة، لم يحدث إلا للبرهنة بان الجماعة لديها ما تدشنه، وتجربه، بعد... للخروج من عصر: المنافي ـ والصحارى ـ والغابات.
   فالفن، منذ لا مست يد أسلافي الطين، وصاغت نماذجها البكر للآلهة الأم ـ القانون الأول لمفهوم السحر والديمومة ـ كان ذا نزعة جمعية تضامنية لا يؤدي فيها الأفراد ـ الأكثر رهافة أو حكمة أو تشددا ً ـ إلا بحمايتها من التشتت، واندحارها إزاء قوى الطبيعة، أو الضواري، أو القوى المماثلة الأخرى.
    بهذا الهاجس النفسي، المسبوق باليات لاواعية غدت رؤيتي تتبلور بوصفها علاقة دائمة بين التعسف ـ  ومحاولات العثور على منافذ تجعل الحياة اقل عتمة...
   فإذا كنت منشغلا ً ـ لسنوات طويلة ـ بـ: لماذا...؟ فان لحظات الانشغال بالعمل الفني، كانت مقاربة دائمة  للتفكير بلغز يكمن في: أقدم مصنع أنا جزء منه: الرحم. فالحلم الذي مكث يشغل لا وعينا ـ ولا شعورنا ـ  بالعودة إلى اللا عمل، هناك، في المكان المحمي، الأمن، بالغ الدقة في توفير الاطمئنان، والسعادة في ذاتها، العمياء، الشبيهة بما يحدثه أي عقار مخدر، كالمورفين، وباقي السموم، شغلني أيضا ً. فإذا وجدت المنفى هو الزمن الوحيد للحضور إزاء الغياب، فقد تحتم علي ّ أن أؤدي دور الرحم ـ لا وعيه في توفير عناصر الحماية ـ في ديمومة كل ما هو في الطريق إلى الزوال.
   وبعيدا ً عن استعارة كلمات  لا تفسر إلا بما لا يحصى من الكلمات، ولا تقول شيئا ً، فان ترك الأصابع تفكر ـ  مع خلايا الدماغ، وباقي الأعضاء ـ سيختزل مفهوم بناء ذات غير قائمة على التعسف، والاغتصاب. فإذا كان الجسد، وقد وجد نفسه مكونا ً، كأقدم ملكية، فانه سيواجه قدره بالبحث عن عدالة ما، لا تدعه ينتهك، من غير مقاومة.
    ثمة ـ بحسب تراكم الخبرة ـ: الخامات، خامات وجدت إنها فاعلة ـ من الداخل أو بسبب الخارج أو معا ً ـ تمتلك طاقات، وتراكمات، تحتم عليها أن تنتج لغات/ وسائل للخطاب والتواصل: من الصرخة إلى الإشارة، ومن الأصوات إلى الرموز، لأجل  غاية ستبقى تمتلك لغز يجرجرها للتشبث في سبر مناطقها اللا مرئية، وقد صاغت مفهوم: التوقيع ـ الأنا ـ الختم، وكل ما يتعلق بمكونات الهوية. فالختم لا يمكن عزله عن: الكون/ الطبيعة/ المجتمع/ والبيئة ذاتها التي وجدت إنها تتكون عبر تصادماتها ـ فوضاها ـ بحثا ً عن ذات السكينة التي صنعها المصنع الأول، وقذف بها، بعيدا ً عنه!
   هكذا سأكتشف إنني تحولت إلى (سلعة) داخل سوق منتهك، لاكتشف أن المصنع الذي انتجني ـ بمكونات الأرض وعناصرها ـ الأم وهي تتعرض لشتى الانتهاكات الدائمة، يكرر السلع نفسها، ويصر، بعناد غامض وقهري يماثل نهايات الماسي القائمة على تفنيد العدالة، ومنطقها، لا يمتلك إلا  قدرات افتراضية، وهمية في الغالب، في العثور على منافذ للخلاص.
    لكني ـ ببدائيتي التي شذبتها بالقليل من المعلومات والخبرة النظرية والعملية ـ كنت اصنع أختامي، مثلما يبني الطير عشه. فانا كنت شديد الرغبة أن أبقى سلعة محمية من التلف! في عصر لم يعد للآلهة الأم إلا رمادها، بعد أن دخلت أنظمة المراكز الذكورية ـ من الثور إلى رأس الهرم، ومن سادة الغابات والمستنقعات والبراري إلى رؤساء الشركات وكبار زعماء المنظمات القائمة على المشفرات والألغاز ـ في تصادمات لم تسمح لي إلا برؤية هذا القليل من الومضات...، كي احفر هذا الذي ـ هو الآخر ـ أراه يذهب ابعد من غايته، وكأن لغز الغياب يأبى إلا أن يغوينا بظلال حضوره، وأنا أراه يقيدني بتتبع خطاه، حتى لو كان وجوده وهما ً، وقسوته عبرت حدود الآمال، والزمن.
بغداد ـ 1/3/2016
   

تأملات أثناء العمل ـ وقد سبق أن نشرت حلقات من التجربة تحت عنوان: اختام معاصرة.



كيلو الشرف.. بحفنة دم

كيلو الشرف.. بحفنة دم: خاص ( ثقافات )أن تسجَّل في عام واحد ستّ عشرة جريمة قتل لنساء على أيدي أقاربهنّ في مجتمع صغير كفلسطينيي 48، وبزيادة بنسبة 60 بالمئة عن العام السابق، ليفوق عدد المقتولات في العقد الأخير مئةَ أنثى، فإنّ هذه كارثةٌ بيّنة. أمّا أن يكشفَ بحثٌ ميدانيّ أنّ أكثر من 55 بالمئة من شريحة الشبيبة (جيل المستقبل)، يؤيدون هذه الجرائم ويحمّلون ضحيتها المسؤوليةَ